بعضهم عشرا مثلا، وبعضهم عشرا آخر. وهكذا. فيكون أخصّ من التلاوة، أو مقابلا لها، والأظهر أنه شامل لجميع ما يناط بالقرآن، من التعلم والعلم» .
فانظر أصل التدريس وتعاطي علوم القرآن، فإنه قديم. وقد ذكر السيوطي في الإتقان: أنه عليه السلام بيّن لأصحابه جميع تفسير القرآن، أو غالبه. ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وابن ماجه «١» عن عمر قال: من آخر ما نزل آية الربا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها. فدل فحوى الكلام على أنه كان عليه السلام يفسر لهم كل ما نزل، وأنه إنما لم يفسر لهم هذه الآية لسرعة موته بعد نزولها، وإلا لم يكن لتخصيصها وجه.
وأما ما أخرجه البزار عن عائشة قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن، إلا آيات بعد أن علمه إياهن جبريل، فهو حديث منكر. كما قال الحافظ ابن كثير، وأوّله ابن جرير وغيره على أنها إشارات إلى آيات مشكلات، أشكلن عليه، فسأل الله عنهنّ، فأنزل إليه على لسان جبريل، وانظر الحديقة الندية.
[باب في أن الصحابة كانوا يعتنون بما يبلغهم من العلم بالحفظ والمذاكرة فيه]
خرّج أبو نعيم عن علي قال؛ تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث؛ إن لا تفعلوا يدرس.
وذكر أبو عمر بن عبد البر عن ابن مسعود قال: تذاكروا الحديث، فإنه يفهم بعضهم بعضا، وذكر أيضا عن عون بن عبد الله قال: لقد أتينا أم الدرداء فتحدثنا عندها فقلنا:
أمللناك يا أم الدرداء فقالت: ما أمللتموني، لقد طلبت العبادة بالمدينة، فما وجدت أشهى لنفسي من مذاكرة العلم، أو قالت من مذاكرة الفقه.
وروي عن عمر بن الخطاب قال: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب، أو أجالس قوما يلتقطون أطيب القول، كما يلتقط طيب الثمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله.
وحكى ابن قتيبة أن معاوية قال لعمر: ما بقي من لذة الدنيا إلا محادثة الرجال أهل العلم، أو خبر صالح يأتيني من ضيعتي.
وخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي سعيد الخدري قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدوا يتحدثون، وكان حديثهم الفقه، إلا أن يأمروا رجلا فيقرأ عليهم سورة، أو يقرأ رجل سورة من القرآن.
وفي القاموس: الفقه بالكسر: العلم بالشيء والفهم له والفطنة، وغلب على علم الدين لشرفه اهـ.
(١) انظر ابن ماجه كتاب التجارات ج ٢ ج ٧٦٤ ورقمه ٢٢٧٦ ونصه عن عمر بن الخطاب قال؛ إن آخر ما نزلت آية الربا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها لنا. فدعوا الربا والريبة.