للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي ربيعة «١» ولم يكن سمعها إلا تلك المرة فوعاها، فلا جرم أن كان صدره خزانة العرب، إليه مرجعهم في التفسير والحديث، والحلال والحرام، والعربية والشعر، ولو صحت نسبة ما رواه بعض الرواة عن الزهري، عن عكرمة عن ابن عباس، أنه قال: يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء، لكان ابن عباس نفسه صاحب السبعين الأولى في الإسلام، وأما إن كان الخبر من أكاذيب عكرمة، فيكون قد وصف به أستاذه ابن عباس أصدق الوصف، على مبالغة فيه خبيثة.

[باب في ذكر أئمة الفتوى من الصحابة]

المكثرون منهم إفتاء سبعة عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة. قال ابن حزم: ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم، ويلي هؤلاء السبعة في الفتوى عشرون: أبو بكر وعثمان وأبو موسى، ومعاذ وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسلمان وجابر وأبو سعيد، وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصامت، وابن الزبير، وأم سلمة، قال: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم جزء صغير، وفي الصحابة نحو مائة وعشرين نفسا مقلّون في الفتيا جدا، لا تروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث؛ كأبيّ ابن كعب، وأبي الدرداء، وأبي طلحة، والمقداد وسرد الباقين. قال: ويمكن أن يجمع من فتيا جميعهم بعد البحث جزء صغير.

قاله السخاوي. في فتح المغيث، والسيوطي في تدريب الراوي.

وفي ترجمة بقي بن مخلد حافظ الأندلس وفخرها من تاريخ ابن عساكر: أنه صنف في فتاوي الصحابة والتابعين ومن دونهم، حتى أربى فيه على مصنف عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وغيرهم. وانتظم علما عظيما لم يقع في شيء من هذه الكتب فصار هو وغيره من تاليفه قواعد في الإسلام لا نظير لها اهـ انظر اختصاره ص ٢٧٩ ج ٣.

قلت: وبذلك مع ما سيأتي عن ابن القيم عن ابن حزم؛ من أن فتاوي ابن عباس أفردت بسبع مجلدات، تعلم ما في قول النووي في تهذيب الأسماء واللغات: لم ينقل عن الصحابة إلا مسائل معدودات إذ كانت فتاويهم مقصورة على الوقائع، بل كانوا ينهون عن السؤال عما لم يقع، وكانت همتهم مصروفة إلى جهاد الكفار، لاعلاء كلمة الإسلام، وإلى مجاهدة النفوس والعبادة، الخ لخ. فإن الصحابة في زمنه عليه السلام كانوا ينقسمون إلى من يتعلم ويعلم، وإلى من يتجر ويزرع، ولم يكونوا يحاربون على الدوام إلا إذا كان النفير العام في عام من الأعوام، ومن كان يفقه المئات والآلاف والملايين الذين أسلموا في زمنهم


(١) قصيدة عمر بن أبي ربيعة ومطلعها:
أمن أم أوفى أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجّر

<<  <  ج: ص:  >  >>