للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبائل من العرب على أمور مخصوصة، فلما نزلت براءة: إنكشفت فيها سرائر قوم كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، حتى كانت السورة تسمى المبعثرة، فبعث صلى الله عليه وسلم بصدرها علي بن أبي طالب، وقال: أخرج بهذه القضية فأذن في الناس يوم النحر: إذا اجتمعوا بمنى إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته، فخرج على ناقته العضباء فلما أدرك أبا بكر بالطريق قال: أمير أو مأمور قال: مأمور ومضيا. فأقام أبو بكر الحج وقام علي يوم النحر بما أمر به، وأجّل الناس أربعة أشهر من يومئذ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة؛ إلا من كان له عهد خاص إلى مدة فهو له إلى مدته، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف عريان، وكان العهد العام أن لا يصدّ أحد يريد البيت عنه ولا يخاف في الأشهر الحرم.

قال القاضي أبو بكر بن العربي عن بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل عليّا ببراءة لأنها تضمنت نقض العهد الذي كان عقده، فأراد قطع ألسنة العرب بأن يرسل ابن عمه من بيته لينقض العهد؛ حتى لا يبقى لهم متكلم. قال: وهذا بديع اهـ.

وحكي الإمام فخر الدين في تفسيره عن الجاحظ أنه قال في قوله عليه السلام: «لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي» «١» ، لا يدل على تفضيل علي على أبي بكر، وإنما عامل العرب بما يتعارفونه بينهم؛ أن السيد الكبير إذا عقد لقوم عهدا، فإنه لا يحل ذلك الأمر إلا رجل من أقاربه المقربين، كأخ أو عم. وقد كان أبو بكر الإمام والخطيب يومئذ، وعلي مؤتما به. انظر ما سيأتي في الكلام على المنادي.

[الإمام في صلاة رمضان]

«في الموطأ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى في القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ذلك في رمضان. وفيها أيضا أن عمر خرج إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرج الناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعمت البدعة هذه «٢» » .


(١) الحديث رواه أحمد عن أنس ج ٣ ص ٢٨٣، ونصه عن أنس: بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة قال: ثم دعاه فبعث بها عليا قال: لا يبلغها إلا رجل من أهلي. ص ٣٥٩ ج ٣ من طبعة المكتب الإسلامي.
(٢) روى مالك في الموطأ الحديثين في كتاب «الصلاة في رمضان» ص ١١٣- ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>