وعزاه لإبن السكن وإسحاق ابن راهواه، وقد ساق الحديث مطولا الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد: تحت باب تعليم من لا يعلم. ثم قال عن علقمة بن سعد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيرا ثم قال: ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتعظون، والله ليعلمن قوما جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم، ويتفقهون ويتعظون أو أعاجلنهم العقوبة، ثم تولى. فقال قوم: من ترونه عنى بهؤلاء؟ قال: الأشعريين. هم قوم فقهاء، ولهم جيران جفاة من أهل المياه من الأعراب، فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذكرت قوما بخير وذكرتنا بشر، ما بالنا. قال: ليعلمن قوم جيرانهم وليفقهنهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا فقالوا: يا رسول الله أنفطن غيرنا؟ فأعاد قولهم عليه وأعادوا أقوالهم أنفطن غيرنا؟ فقال ذلك أيضا فقالوا: أمهلنا سنة، فأمهلهم سنة ليفقهوهم ويعلموهم ويعظوهم. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ [المائدة: ٧٨] الآية ورواه الطبراني في الكبير، وفيه بكر بن معزوف قال خ إرم به ووثقه أحمد في رواية وضعفه في أخرى وقال عدي أرجو أنه لا بأس به.
[الفصل الثالث:]
ذكر من بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجهات يعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين.
قلت: إستفتح الخزاعي فصل الفقه في الدين بفصول، أولها: في الحض على التفقه في الدين، صدّره بحديث معاوية: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين «١» ، مقتصرا على عزوه لمسلم مع أنه في البخاري. وهذا معيب منه رحمه الله، لما تقرر أن الحديث إذا كان في البخاري لا يعزى إلى غيره، وثانيها: كيف كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين، وثالثها: سؤال النساء. وهذه الفصول في نظري إستطرادية. ثم ترجم لمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مفقها في الدين فمنهم عنده: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف. في سيرة ابن إسحاق؛ لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين بايعوه في العقبة الأولى، قال: وهم إثنا عشر بعث معهم مصعبا، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، وكان يسمى المقريء بالمدينة.
قلت: في الإستبصار لإبن قدامة المقدسي: لما قدم مصعب بن عمير المدينة نزل على أسعد بن زرارة فكان يطوف به على دور الأنصار، يقرئهم القرآن ويدعوهم إلى الله عزّ وجلّ، فأسلم على يديهما جماعة؛ منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وغيرهما. اهـ
(١) الحديث المذكور رواه البخاري في موضعين في كتاب فرض الخمس ج ٤ ص ٤٩ وفي ج ٨ ص ١٤٩ كتاب الاعتصام بالسنة.