وفي طبقات ابن سعد أن وفد سليم لما وردوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: اجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدم ففعل ذلك بهم.
تنبيه- في تاريخ الوزير جودت باشا التركي الشهير نقلا عن تاريخ واصف افندي مقالة يبين فيها ما كان للألوية من الإعتبار في الدول، صدّرها بقوله: إن السر في أحداث السنجق واللواء: هو أنه إذا اجتمع قوم تحت لواء واحد يجعل بينهم الإتحاد، بمعنى أن هذا اللواء يكون علامة على اجتماع كلمتهم ودلالة على اتحاد قلوبهم، فيكونون كالجسم الواحد، ويألف بعضهم بعضا أشد من ائتلاف ذوي الأرحام، وإذا كانوا في معركة القتال لا ييأسون من الظفر، ما دام لواؤهم، منشورا بل تقوى همتهم ويشتد عزمهم، فإذا سقط لواؤهم أخذوا من جانب العدو، وباتوا موضوعا للخوف والرهبة فيهزم بعضهم ويتبدد البعض الآخر، بخلاف ما إذا كان علمهم مرفوعا خافقا مزدهيا تبتهج به نفوسهم فتأخذهم شدة الفرح والبسالة، وتتسلط على أعدائهم هزمة الرعب، فتأخذ بمجامع قلوبهم، وكما أن الموسيقى العسكرية تنعش أرواحهم، وتحثهم على الإقدام والشجاعة، كذلك مناظر الألوية وتموجها فإنها تحدث فيهم دواعي العزة، وتجلب لأعدائهم الدهشة والفتور، وكان لجميع الأمم السالفة والدول الماضية آلات موسيقية، وأعلام عديدة ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم موسيقى بل أعلام فقط الخ انظر بقيته في ص ٣٥ من مقدمة التاريخ المذكور.
[باب في تعميم الإمام للصبي]
ترجم في الإصابة لقرط ويقال له قريط بن أبي رمثة البلوي، فذكر عن أبي موسى في ذيله عن ابن منده أنه هاجر مع أبيه فلما دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي رمثة ابنك هذا قال نعم أشهد به قال إنه لا يجني عليك ولا تجني ودعا بقرط فأجلسه في حجره ودعا له بالبركة ومسح رأسه وعممه بعمامة سوداء، وهو والد لاهز بن قريط أحد الرؤساء الذين كانوا مع أبي مسلم الخراساني.
أقول: إن صحت هذه القصة كان فيها الدليل لما كنا نرى الشيخ الوالد يعتني به من تعميم من في سن البلوغ أو قريب منه مع إرخاء العذبات، وبذلك تعلم ما في توقف بعضهم في ذلك قائلا: لم أقف على شيء من الأحاديث، ولا من نصوص الفقهاء على الوقت الذي يطلب فيه التعميم. هل هو من بلوغ السبع أو العشر أو حين البلوغ أو حين بدء طلوع اللحية لخ انظر إلى ص ٢٩ من الدعامة في أحكام العمامة. وأهل الحجاز إلى الآن يعتنون بتعميم الصغار، وكأنه عمل قديم متوارث، بدليل ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن مالك قال: لا ينبغي أن تترك العمامة، ولقد أعتميت وما في وجهي شعرة. وفي المدارك قال أبو مصعب: سمعت مالكا يقول: إني لأذكر وما في وجهي شعر، وما منا أحد يدخل المسجد إلا متعمما إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.