الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ، وموعظته وعجب من حسن كلامه، وأظهر تصويبه فهذا أشرف تعظيم، تعجز عنه الأماني وتنقطع دون الآمال. وإنما وفق الله ذلك لقس لاحتجاجه للتوحيد، وإظهاره الإخلاص وإيمانه بالبعث، ومن ثم كان قس خطيب العرب قاطبة اهـ.
[باب في كتاب الجيش وفيه فصول]
فصل: في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتب الناس، وثبوت العمل بذلك في عصره صلى الله عليه وسلم.
«في صحيح البخاري «١» بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس، فكتبت له ألفا وخمسمائة رجل، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال ارجع فحجّ مع امرأتك، وهو في الصحيح أيضا بلفظ إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة» [قال فانطلق فحج مع امرأتك. كتاب الحج باب ٧٤ ج ١/ ٩٧٨] .
قلت: قال الحافظ في الفتح على ترجمة باب كتابة الإمام الناس، أي من المقاتلة وغيرهم، والمراد ما هو أعم من كتابته هو نفسه أو بأمره، ثم قال: وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش. وقال على قول الرجل: إني كتبت في كذا مشعر بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي اهـ.
قال التقي المقريزي في الخطط: إعلم أن كتابة الديوان على ثلاثة أقسام: كتابة الجيوش، وكتابة الإنشاء والمكاتبات، ولا بدّ لكل دولة من استعمال هذه الأقسام الثلاثة، وقد أفرد العلماء في كتابة الخراج، وكتابة الإنشاء عدة مصنفات، ولم أر أحدا جمع شيئا في كتابة الجيوش والعساكر، وكانت كتابة الديوان في صدر الإسلام أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة اهـ منها.
[فصل في البيعة ومعناها المعاقدة والمعاهدة]
وهي شبيهة بالبيع الحقيقي، قال ابن الأثير في النهاية: كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته، ودخيلة أمره. والأصل في ذلك:
أنه كان من عادة العرب أنه إذا تبايع اثنان صفق أحدهما بيده على صاحبه، وقد عظم الله شأن البيعة، وحذّر من نكثها فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ، فَسَيُؤْتِيهِ