فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، فخرجا قال ابن إسحاق: أتيا بني سالم بن عوف رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله، فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم خرجا يشتدّان حتى دخلاه، وفيه أهله فحرقاه وهدماه، وفي رواية: فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم فأخذ مالك سعفا وأشعله، ثم خرجوا يشتدون حتى أتوه بين المغرب والعشاء، وفيه أهله فحرقوه وهدموه حتى وضعوه في الأرض. وتفرق عنه أصحابه. وراجع ما سيأتي في القسم التاسع لدى الكلام على البناء وصناعته.
وفي الصحيح «١» أن المصطفى عليه السلام أمر بقطع نخل بني النضير، وقال الإمام أبو عبد الله بن غازي، في تكميل التقييد على قول المدونة، وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير، وأحرق قراهم. روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وهي البويرة (اسم موضع) وفيها يقول حسان:
وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وليس في الأمهات شعر إلا هذا البيت، ولهذا قال الشيخ أبو الفضل ابن النحوي.
أصحبت فيمن له دين بلا أدب ... ومن له أدب عار عن الدين
أصبحت فيهم غريب الشكل منفردا ... كبيت حسان في ديوان سحنون
[باب في معاملته عليه السلام المستحق بسمل الأعين والإلقاء في الحرة وقطع الأيدي والأرجل ونحو ذلك]
قصة العرنيين مشهورة خرجها البخاري في مواضع، ولنسقها من باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها عن أنس قال: قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة، أي استوخموها فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وساقوا الغنم. فجاء الخبر في أول النهار، فقمنا في آثارهم فلما ارتفع النهار، جيء بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، وألقوا في الحرّة (أرض ذات حجاة سود) يستسقون فلا يسقون زاد فيه الأوزاعي: حتى ماتوا. وعند ابن أبي عوانة من رواية عقيل عن أنس فيه: فصلب اثنين، وقطع اثنين، وسمل اثنين، فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة، وقال جماعة منهم ابن الجوزي: إن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، وفي الصحيح قال: أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.