عكرمة في نفر من القبيلتين، فقالوا: لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا. فقالت القبيلتان: إن الذي حدّثكم به نعيم لحق، وأرسلوا إليهم: لا ندفع إليكم رجلا واحدا. فقالت قريظة: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق.
قال ابن باديس: يؤخذ منه جواز مخادعة العدو، والتحيل في دفع ضرره على المسلمين، لقوله لنعيم: خذّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة وإذا أبيح كلام الخير في الصلح بين الاثنين من المسلمين، وإن لم يقله أحد منهما تأليفا للقلوب، فما بالك بمحق الكفار وحقن دماء أهل النصرة والدار، الباذلين أنفسهم في إظهار دين الله وسنة نبيه المختار، فهو من باب النصح للمسلمين والأمانة، لا من باب الكذب والخيانة اهـ.
وخرّج ابن أبي حاتم في العلل عن النوّاس بن سمعان قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال: تهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار، إن كل كذب مكتوب كذبا لا محالة، إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خدعة.
وفي التوشيح على قوله عليه السلام: الحرب خدعة بنقط حاء مثلث أمر باستعمال الحيلة فيه ما أمكن، وقال ابن المنير: أي الحرب الكاملة في مقصودها، البالغة إنما هي مخادعة، لا مواجهة. وذلك لخطر المواجهة، وحصول الغرض: الظفر بالمخادعة بلا خطر اهـ.
زاد أبو الحسن الدمنتي في اختصاره للتوشيح: أخبرني بعض علماء القسطنطينية أنهم قالوا للنصارى: إنا غلبناكم بالسلاح، وإنما غلبتم أنتم ملوكنا بحيلكم، وتزيين الملاهي والمحرمات، فاتبعوكم بإفساد الدين. فقالوا لهم: أليس بصحيح إخبار نبييكم: الحرب خدعة قلنا نعم. قالوا إذا إنما غلبناكم بشرعكم الخدعة اهـ.
[باب في النمام]
ترجم في الإصابة لمسعود «١» فذكر أن ابن أبي شيبة، أخرج عن عروة قال: كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له مسعود، وكان نماما، فلما كان يوم الخندق بعثه أهل قريظة إلى أبي سفيان أن إبعث إلينا رجالا حتى نقاتل محمدا مما يلي المدينة، وتقاتله أنت مما يلي الخندق، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن يقاتل من جهتين، فقال: يا مسعود، نحن بعثنا إلى بني قريظة أن يرسلوا إلى أبي سفيان، فيرسل إليهم رجالا فإذا أتوهم، مكنوا منهم فقتلناهم، فلم يتمالك مسعود لما سمع بذلك أن أتى أبا سفيان فأخبره فقال: صدق والله محمد ما كذب قط، فلم يرسل إلى بني قريظة أحدا. قال الحافظ: وفي هذه القصة شبه بقصة نعيم بن مسعود الأشجعي والله أعلم اهـ.