الدعية، اقتناء للأجر الجليل عند الله تعالى، بفضله ورحمته في الآخرى، واجتناء الشكر الجميل، وبقاء للأجر الطويل، من أربابها في الدنيا إن شاء الله تعالى.
[تاريخ اشتغاله بتدوينه وكلمة جامعة في أبي الحسن الخزاعي]
قال رحمه الله: وكنت اشتغلت باقتناص شوارده من مكامنها، والتقاط فوائده من أماكنها أيام عزلتي عن العمل، وعطلتي عن الشغل والفشل، فما زلت أؤلف وأصنف، وأبوب وأرتب، وأصحح وأنقح حتى سطع في رياض الإجادة زهره، ولمع من أفق الإفادة بدره، وذلك في أول سنة ٧٨٦ فجمعت على فريدته يد الضنين، ومنعت خريدته من لمح العيون الخ.
فصرّح بأنه أكمله سنة ٧٨٦ فعاش رحمه الله بعد إكماله نحو ثلاث سنين.
ومن وقف مثل موقف أبي الحسن الخزاعي مثلي، يتحقق أنه رحمه الله تعب تعبا شديدا، وشغل فكره أمدا مديدا، ينم عن ذلك كثرة تراجمه وأبوابه، فإن أكثرها يتردد النظر في أي قسم يلحق، ولذلك لا يكون إلا أكثر من التردد والرجوع بعد الجزم، كما يقتضيه حال عظيم التأمل قوي العزم، ولا عجب ولا غرابة فقد قال العماد الكاتب «١» : ما ألف أحد كتابا إلا قال في غده: لو قدمت أو أخرت، وهو ما يدل على عجز عموم البشر والتفرد بالكمال لواهب القوى والقدر. وقال حمّاد الرواية: ما أتم ذو الرمّة قصيدته التي مطلعها:
ما بال عينيك منها الماء ينسكب
حتى آخر حياته.
أقول: ومع ذلك لا يزال كثير من تراجم كتاب الخزاعي يحتمل إدخاله في قسم وكان غيره الآن به أنسب، وللإصابة أقرب. شأن البشر الذي يكثر التردد فيما يأتي وما يذر.
وربما صحبه فيما عزم عليه كبير خور. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: ٨٢] وبذلك يتحقق الإنسان أن موضوعا كهذا، يتناوله عدة مرجحات وموجبات، وأطراف عديدة لا أصعب من التصنيف فيه والتدوين، وفي مثله قيل: من ألّف فقد استهدف. وقيل من ألّف فقد جعل عقله في طبق وعرضه على الناس.
وأنا أقول: التصنيف في الموضوع البعيد الأطراف، الذي يتناوله الوصف والإشراف، كوة صغيرة يطل منها على مخيلة المصنف وأمد صبره وانتهاء نبله ومقدار اختياره واستقلاله الفكري.
(١) هو العماد الكاتب الأصفهاني أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبي الفرج المتوفى بدمشق ٥٩٧ خدم أولا في العراق ثم الدولة النورية والأيوبية بدمشق. انظر ترجمته في وفيات الأعيان ج ٥ ص ١٤٧ وكذلك مرآة الزمان والكامل لابن الأثير ج ١٢، والروضتين ومعجم الأدباء ج ١٨، ص ١١، وطبقات الشافعية للسبكي ج ٤ ص ٩٧، والعبر للذهبي ج ٤ ص ٢٩٩.