قال الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي طالعة [في مقدمة] كتابه الجامع الصغير المشتمل على عشرة آلاف وتسعمائة وأربعة وثلاثين حديثا: هذا كتاب أودعت فيه من الكلم النبوية ألوفا، ومن الحكم المصطفوية صنوفا، اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة، ولخصت فيه من معادن الأثر إبريزه، وبالغت في تحرير التخريج، وصنته عما تفرد به كذاب أو وضاع، ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع، كالفائق والشهاب وحوى من نفائس الصناعة الحديثية، ما لم يودع قبله في كتاب، وسميته الجامع الصغير لأنه مقتضب من الكتاب الكبير، الذي سميته بجمع الجامع، وقصدت فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها اهـ.
قال المناوي في شرحه الكبير على قوله بأسرها: أي لجميعها، وهذا بحسب ما اطلع عليه المؤلف لا باعتبار ما في نفس الأمر، لتعذر الإحاطة بها وإنافتها على ما جمعه الجامع المذكور لو تم، وقد اخترمته المنية قبل إكماله اهـ.
قلت: وكتاب جمع الجوامع المذكور؛ كتاب عظيم الشأن، ولم يؤلف في الملة مثله، اشتمل على نحو ثمان مجلدات ضخمة، سبر ألفاظ النبوة سبرا ويسر للناس الوقوف على كلام نبيهم الكريم، وعرفهم بمخرجيها، ومظان أسانيدها، ورواتها، فمنته على جميع من تأخر بعده من المسلمين عظيمة، وشكره والاعتراف له بذلك من خلوص الإيمان.
وقد قال العالم النظار الشيخ صالح المقبلي اليمنى في العلم الشامخ. ما زال الله يكرم كل متأخر بفضيلة يتضح نفعها في الدين، ويرتفق بها من وفق من المهتدين، وكنت أتمنى وأستغرب أنه لم يتصد لجمع الحديث النبوي على هذا الوجه المغرب أحد، وأقول لعلها كرامة ادخرها الله لبعض المتأخرين، وإذا الله أكرم بذلك وأهل له من لم يكد ير مثله في مثل ذلك الإمام السيوطي في كتابه المسمى بالجامع الكبير، صرح بهذا المقصد في أوله وفي أول الجامع الصغير اهـ منه ص ٣٩٢.
وقال الإمام ابن الهندي طالعة كنزه: أنه وقف على كثير مما دونه الأئمة من كتب الحديث، فلم ير فيها أكبر جمعا منه بين أصول السنة، وأجاد مع كثرة الجدوى وحسن الألفاظ اهـ.
قلت: وهذا سياق خطبة جمع الجوامع المذكور:
هذا كتاب شريف حافل، ولباب منيف رافل، بجمع الأحاديث النبوية الشريفة كافل، قصدت فيه إلى استيعاب الأحاديث النبوية، وأرصدته مفتاحا لأبواب المسانيد العلية، وقسمته قسمين:
الأول أسوق فيه لفظ المصطفى بنصه، وأطوق كل خاتم منه بفصه، وأتبع متن