[باب هل هناك ما يدل على السن الذي كانوا يبتدئون فيه تعليم الصبي عن السلف]
قال الشيخ المحدث محمد طاهر الفتني، في خاتمة كتابه الجامع في مجمع بحار الأنوار ص ٥١٣ من ج ٢؛ كتبنا إلى شيخنا الشيخ علي المتقي أي الشهير بابن الهندي المكي مبوب الجامعين، فيما جرت عليه عادة أكثر هذه البلاد أنهم يبتدئون تعليم الصغار القرآن، حين يمضي عليهم أربعة سنين وأربعة أشهر وأربعة أيام. هل له أثر في الحديث أو السلف؟ فكتب رضي الله عنه: إنه لم يوجد شيء يعتمد عليه إلا ما سمع عن بعض أنه شق صدره صلى الله عليه وسلم وأمر بإقرأ حينئذ فهذا مع اختلاف فيه لو صح استنبط ما ذكر منه اهـ.
زاد الزركشي: لكنه يخالف المشاهير اهـ وقد قال الدماميني، في كتاب الزكاة، من حواشيه على الصحيح، على قصة إزالة المصطفى عليه السلام، لتمر الصدقة من في الحسن عليه السلام: وفي الحديث أن الأطفال إذا نهوا عن شيء عرفوا لأي شيء نهوا عنه، ليكبروا فيأتي عليهم وقت التكليف، وهم على علم من الشريعة، على أن مالكا كره أن يعجل بتعليم الطفل القرآن، وأنكر لما قيل له، عن طفل جمع القرآن ابن سبع سنين ونحوها. قاله ابن المنبر. وما أراه والله أعلم كره ذلك إلا خشية أن ينطق به على خلاف ما ينبغي له، من إقامة الحروف وإخراجها من مخارجها، أو أن في إعجاله منعا من الذي ينبغي أن يفسح له فيه، من اللهو المقيم لبنية الأطفال، المروح لأنفسهم، ومقصود البخاري من ترجمة الباب: التنبيه على الاعتدال في تأديب الأطفال اهـ.
ونقل كلام ابن المنبر هذا في تحفة الأكابر، واقره وانظره مع ما ذكره الشعراني في كشف الغمة، أنه عليه السلام، كان يرخص في إمامة الصبي المميز لا سيما إن كان أكثر القوم قرآنا، وكان عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، يؤم قومه ابن ست أو سبع أو ثمان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ابن عباس يقول: كانوا يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث فيصلون بهم ويقولون: ليس لهم ذنوب فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء: ٤٩] أي أمثالهم كما قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم: ٣٢] أي أمثالكم دونكم.
قلت: وقصة عمر بن سلمة بكسر اللام الجرمي التي ذكر الشعراني أشار لها الحافظ في الإصابة في ترجمته وهذا سياقه: إنهم قدموا عمرو بن سلمة إماما مع صغره، لأنه كان أكثرهم قرآنا أخرجه البخاري اهـ ولا شك أن ذلك يدل دلالة صريحة على أنهم كانوا يبتدئون بتعليم الصبيان، وهم صغار. وبذلك تعلم ما نقله المجاجي في شرحه على مختصر ابن أبي جمرة، عن ابن الحاج في المدخل: أن السلف إنما كانوا يقرئون أولادهم إذا بلغوا سبع سنين. قال: وكثير من الناس يقرئون أولادهم في حالة الصغر، وذلك تعب بلا فائدة.