العالية، التي لا يوليها إلا الخليفة نفسه، ولا يتولاها إلا ذو الأهلية.
وجاء في كتب الإفرنج أن ابتداء ترتيب البريد عند العرب بعد الهجرة النبوية بأمر أول خليفة، وكان يتسع باتساع فتوحاتهم، التي بلغت مسافات شاسعة، وأعظم اتساع ونظام في بريد العرب تمّ في عهد الخلفاء العباسيين، بلغت محطات البريد نحو ألف محطة، كانت تسمى عندهم بالسكك، ومع هذا الاتساع كانت الأشغال سائرة بكل دقة، في مواعيد السفر والوصول والأمنية، فقد كان لكل محطة رئيس لملاحظة سير السعاة، والخيالة وحالة المحطات، وكان جميع هؤلاء الرؤساء مضطرين أن يقدموا تقاريرهم عن كل ما يحدث في الخطوط إلى عموم الإدارة في بغداد، التي كانت النقطة المركزية والرئيس العالي يعرض ذلك على الخليفة نفسه، الذي كان يهتم بالبحث عن أحوال البريد، وكان للبريد لائحة عمومية، تحتوي على قوانين البريد، في سيره وجغرافية الطرق، وكان ينفق على البريد مبالغ وافرة، قيل: إن نفقة فرع اليمن فقط؛ كانت تبلغ نحو أربعة ملايين درهم سنويا، وهي عبارة عن أربعة ملايين ونصف من الفرنكات، ومن ذلك يعلم قدر نفقات باقي الخطوط، وما كان يبذله العرب لتنظيم البريد وقدر أهميته عندهم، وفي ص ٩٥ من الكتاب المذكور اتخذ العرب العلامات لرسل البريد، وفي عهد الخلفاء العباسيين كانت علاماتهم قطعة من الفضة بقدر الكف، قد كتب على أحد صفحتيها البسملة واسم الخليفة، وعلى الصفحة الثانية هذه الآية: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [الأحزاب: ٤٥] هـ.
«مهمّة» في الخطط للتقي المقريزي، أن إبراهيم بن الأغلب لما ولي على أفريقية سنة ٢٦١، كانت القوافل والتجار تسير في الطرق وهي آمنة، والحصون والمحارس على ساحل البحر، حتى كانت توقد النار من مدينة سبتة إلى الإسكندرية، فيصل الخبر منها إلى الاسكندرية في ليلة واحدة وبينهما مسيرة أشهر هـ منها ص ٢٨٠ من الجزء الأول.
قلت: لعمري إن هذه الطريقة في التعجيل بالإخبار أغرب وأعجب من التلغراف والتلفون. ولله في خلقه شؤون.
[فصل في الرسول يبعث يدعو إلى الإسلام]
«بعث دحية بن خليفة الكلبي، وبعثه بكتابه وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس. وبعث عمرو بن أمية إلى النجاشي ملك الحبشة. وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية. وبعث سليط بن عمرو واحد بني سليط عامر بن لؤي إلي ثمامة بن أثال.
وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلي الحرث بن أبي شمر الغساني. وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلي الحارث ملك اليمن. قال ابن جماعة بعث رسول الله ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع» .