قام يتوكأ على عصا فيخطب، ثم يجلس جلسة فيبتدىء كلام الناس فيسائلهم كمسألته الأولى ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ويقيم المؤذن.
[باب في المخذل]
(خذّل [عنه] أصحابه تخذيلا، أي حملهم على خذلانه، والخذلان ضد النصر.
والمراد به من يشتت الجموع بدهائه وسياسته) .
«ذكر ابن حزم في الجمهرة نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال فيه: هو الذي شتت جموع الأحزاب. وفي الاستيعاب: أسلم في الخندق، وهو الذي خذّل المشركين ببني قريظة، حتى صرف الله كيدهم، وخبره في تخذيل المشركين وبني قريظة عجيب في السيرة» .
وقصة نعيم مبسوطة في ترجمته من طبقات ابن سعد؛ انظر ص ١٩ ج ٤.
وفي الإصابة هو الذي أوقع الخلف بين الجيشين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضا، ورحلوا من المدينة.
وفي مبحث فصاحته صلى الله عليه وسلم من المواهب، وقوله عليه السلام: الحرب خدعة. رواه البخاري «١» ومسلم، عن أبي هريرة قال سمى النبي صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة وليس عند مسلم سمى. وقوله خدعة مثلث الخاء أشهرها فتح الخاء وإسكان الدال. قال ثعلب وغيره: وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية ضم الخاء وإسكان الدال، والثالثة ضم الخاء وفتح الدال. وقد قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب؛ لما بعث نعيم بن مسعود، وأمره أن يخذل بين قريش وغطفان واليهود، وأشار بذلك إلى أن المماكرة أنفع من المكاثرة اهـ.
وقصة نعيم الأشجعي المذكور أنه أتى بني قريظة، وكان نديما لهم فقال: قد عرفتم ودي لكم، قالوا: صدقت قال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، به أموالكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان، جاؤا إلى حرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليهم، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، لأنهم إن رأوا ثمرة أصابوها، وإلا لحقوا ببلادهم، وخلّوا بينكم وبين محمد، ولا طاقة لكم به إن خلابكم، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم، فقالوا: أشرت بالرأي، ثم أتي قريشا فقال: قد عرفتم ودي وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر، رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم. إن يهود ندموا على ما صنعوا، وأرسلوا بذلك إلى محمد وقالوا: يرضيك أن نأخذ لك من أشراف قريش وغطفان رجالا تضرب أعناقهم، ثم نكون معك حتى تستأصل باقيهم، ثم أتى غطفان فقال لهم مثل ذلك. فأرسلوا إلى بني قريظة
(١) في كتاب الجهاد ٤/ ٢٤ رقم الباب ١٥٧ من حديث أبي هريرة. ورواه مسلم في كتاب الجهاد ج ٢ ص ١٣٦١، عن جابر وأبي هريرة.