الزراعة والقدرة على دفع العدو فبالسنة أخذت، لأن خير المؤمنين من لا يترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرى للدنيا. بل يأخذ منهما كما قال تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا [القصص: ٧٧] اهـ وقد أنشد الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ص ٥١.
إن حزت علا فاتخذ حرفة ... تصون ماء الوجه لا يبذل
ولا تهنه أن ترى سائلا ... فشأن أهل العلم أن يسألوا
ودليله قول الأحنف بن قيس كما لابن الهندي في كتاب الرحمة في الطب والحكمة:
لا ينبغي للعاقل أن يترك من علم يتزوده لمعاده، وصنعة يستعين بها على أمر دينه ودنياه، وعلم طب يذهب به الداء والعلة عن نفسه وعن جسده، وانظر رسالة كشف الزور والبهتان من صناعة بني ساسان على مبالغات فيها.
[(المقدمة الثامنة)]
وربما تعلل بعض جهال المتعبدين في ترك التكسب بغلبة الحرام، قال القاري في المرقاة: واعلم أن هذا الزمان لا يوجد الحلال في كثير من الأحوال، فليكتسب السالك من غيره بما يحفظ حياته لئلا يموت جوعا، قال بعض الظرفاء:
يقول لي الجهول بغير علم ... دع المال الحرام وكن قنوعا
فلما لم أجد مالا حلالا ... ولم آكل حراما مت جوعا
لكن يجب أن يراعي درجات الحرام والشبهة، فمهما وجد ما يكون اقرب إلى الحلال لا يتناول مما يكون بعيدا عنه، حتى قال بعض المشايخ: المضطر إذا وجد غنما ميتا فلا يأكل من الحمار الميت، وإذا وجد الحمار فلا يأكل من الكلب، وإذا وجد الكلب لا يقرب من الخنزير، ولا ينبغي أن يساوي بين الأشياء كسفهاء الفقهاء حيث يقولون:
الحلال ما حل بنا والحرام ما حرّم منا اهـ.
وإن أردت بسط الكلام على أنواع المكاسب فقف على كتاب البركة في فضل السعي والحركة «١» وهو في مجلد اشتمل على سبعة أبواب:
الباب الأول: في فضل الحرث والزرع والثمار وغرس الأشجار وحفر الأنهار وفيه عدة فصول.
الباب الثاني: في فضل الغزل وفيه فصول.
الباب الرابع: فيما ورد من الآثار في الطب والمنافع.
الباب الخامس: في أربعين حديثا، كل حديث متضمن لفظ البركة وفيه فصول.
الباب السادس: في اذكار وأدعية.
(١) طبع الكتاب في بيروت ١٣٩٨- ١٩٧٨ بدار المعرفة.