للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ابن السكن خرج قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت، فقال: هل من لهو؟.

وترجم البخاري «١» في الصحيح: باب ضرب الدف في النكاح والوليمة ثم خرج عن الربيّع بن معوذ بن عفراء قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني عليّ فجلس على فراشي فجعلت جويريات يضربن في الدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن:

وفينا نبيّ يعلم ما في غد.

فقال: دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين.

قال الحافظ في الفتح على قوله: جويريات لم أقف على أسمائهن، ووقع في رواية حماد بن سلمة بلفظ: جاريتان تغنيان، فيحتمل أن تكون اثنتان هما المغنيتان، ومعهما من يتبعهما، أو يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء. وقال: قوله: ويندبن من الندبة، وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه، وتعديد محاسنه من الكرم والشجاعة ونحوها. وقال:

قوله: وقولي بالتي كنت تقولين فيه إشارة إلى جواز سماع المدح، والمرثية مما ليس فيه مبالغة، تفضي إلى الغلو.

وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بنساء من الأنصار في عرس لهن وهنّ يغنين:

وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد ... وزوجك في البادي ويعلم ما في غد

فقال: لا يعلم ما في غد إلا الله. قال المهلب: في هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح. وفيه إقبال الإمام إلى العرس، وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح، وفيه جواز مدح الرجل في وجهه، ما لم يخرج إلى ما ليس فيه.

وأغرب ابن التين فقال: إنما نهاها لأن مدحه حق والمطلوب في النكاح اللهو، فلما أدخلت الجد في اللهو منعها. كذا قال. وتمام الخبر الذي أشرت إليه يرد عليه. وسياق القصة يدل على أنها لو استمرت على المراثي لم ينهها. وإنما أنكر عليها ما ذكر من الأطراء حيث أطلق علم الغيب عليه، وهو صفة تختص بالله كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: ٦٥] وقوله: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعراف: ١٨٨] وقوله: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ [الأعراف: ١٨٨] وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى له، لا أنه يستقل بعلم ذلك، كما قال تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن: ٢٦، ٢٧] .


(١) الحديث في البخاري ص ١٢٧ ج ٦ باب النكاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>