أحدها: التكيّف بالعلوم التي تهذب الذهن، كالعربية وأصول الفقه وما تحتاج إليه العلوم العقلية في صيانة الذهن عن الخطأ، بحيث تصير هذه العلوم ملكة للشخص.
وأصول الفقه كان الصحابة أعلم منا بها من غير تعليم، وغاية المتعلم منا أن يصل إلى بعض فهمهم، فقد يخطىء ويصيب.
الثاني: الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة، حتى يعرف أن الدليل الذي ينظر فيه حق أو موافق.
الثالث: أن يكون له من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة؛ ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك، وما يناسب أن يكون حكما له في ذلك المحل، وأن يصرح به، فإذا وصل الشخص إلى هذه المرتبة وحصل على الأشياء الثلاثة؛ فقد حاز رتبة الكاملين في الإجتهاد، ومن المعلوم أن الصحابة كانوا أكمل الناس في هذه الأشياء الثلاثة، وأما الأول فبطباعهم، وأما الثاني والثالث فلمشاهدتهم الوحي، ومعرفتهم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فأين لمن بعدهم مداناته؟ اهـ كلامه ملخصا.
وقال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي الشافعي ص ١٠ من كتابه: مختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول، فصل: والعلم بالأحكام واستنباطها كان أولا خاصا بالصحابة فمن بعدهم، فكانوا إذا نزلت بهم النازلة بحثوا عن حكم الله فيها من كتاب الله وسنة نبيه اهـ.
وقال الإمام شرف الدين سلطان المادحين أبو عبد الله البوصيري في همزيته في حق الصحابة:
كلهم في أحكامه ذو اجتهاد ... وصواب، وكلهم اكفاء
رضي الله عنهم ورضوا عن ... هـ فأنى يخطو إليهم خطاء
قال ابن حجر على قوله: واجتهاد صحيح: لتوفر شروط الإجتهاد كلها في جميعهم زيادة، ولذلك لم يعرف عن أحد منهم أنه قلّد غيره في مسألة من المسائل، وكان الناس يستفتون كلّ من روى منهم فيفتيه باجتهاده، ولا يعترض أحد منهم على أحد، إلا إن كان هناك نص صريح خولف فيذكر لهم، فمنهم من يرجع إليه ومنهم من يؤوله أو يعارضه بمسألة اهـ ونحوه لأبي عبد الله زنيبر السلوي وأبي عبد الله بنيس الفاسي.
وقال الجوجري: أحكامهم ليست صادرة عن هوى النفس، بل هي ناشئة عن الإجتهاد التام، المستوفي لشروط الإجتهاد، المحصل للأجرين أصابوا أو أخطأوا اهـ منه ونحوه لأبي عبد الله الحضيكي، والشيخ سليمان الجمل المصري، والصومعي التادلي وغيرهم، ممن شرحها.