وقال الطبراني: حديث كعب أصل في هجران أهل المعاصي والفسوق والبدع، ألا ترى نهيه عن كلامهم لتخلفهم، ولم يكن ذلك كفرا ولا ارتدادا، وإنما كان معصية ارتكبوها فهجروا حتى تاب الله عليهم، ثم أمر بمراجعتهم فكذا كل من أذنب ذنبا خالف به أمر الله ورسوله مما لا تأويل له، وركب معصية علم منه أنها معصية أن يهجر غضبا لله ورسوله، ولا يكلم حتى يتوب توبة ظاهرة معلومة ولا يلزم هذا في المشركين فإن الإجماع منعقد على جواز مبايعتهم ومعاملتهم. ولا يهجرون.
وذلك وقع من الرسول في هؤلاء وإن كانوا مقرين بالتوحيد والرسالة مع ارتكابهم معصية.
وفي تشنيف المسامع على حديث: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث «١» قال ابن زرقون في شرح الموطأ: هذا مخصوص بحديث كعب بن مالك، وهو أصل في هجر أهل البدع، ومن أحدث في الدين ما لا يرضى، ومن خشي من مجالسته الضرر في الدين، أو في الدنيا، والزيادة في العداوة والبغضاء، فهجرته والبعد عنه خير من قربه، لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك، وربما صرم جميل خير من مخالطة مؤذية.
وانظر الإحياء في كتاب العزلة فقد ذكر حديث: لا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث، قال: إلا أن يكون ممن لا تؤمن بوائقه وعليه ينزل قول الحسن: هجران الأحمق قربة إلى الله تعالى، فإن ذلك يدوم إلى الموت، إذ الحماقة لا ينتظر علاجها.
وقال ابن فرحون في التبصرة: قد عزّر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجر، وذلك في حق الثلاثة الذين خلفوا، وأمر عمر بن الخطاب بهجر صبيغ، الذي كان يسأل عن مشكلات القرآن، فكان لا يكلمه أحد اهـ.
ولما ذكر أبو داود حديث تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله في ذلك اليوم، لكل امرىء لا يشرك بالله شيئا إلا امرآ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا قال: وإذا كانت الهجرة لله فليس شيء من هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين صباحا. وهجر ابن عمر ابنا له حتى مات اهـ.
وقال النووي وردت الأحاديث بهجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة اهـ وقال الزرقاني على الموطأ وأصله للسيوطي: وما زالت الصحابة والتابعون ومن بعدهم يهجرون من خالف السنة أو من دخل عليهم من كلامه مفسدة اه.
(١) حديث: لا يحل لرجل. رواه الإمام مالك في الموطأ في كتاب حسن الخلق ص ٩٠٦ عن أبي أيوب الأنصاري ونصه: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال.