فلنقتضب من ذاك ما لا يسع ... في الحق أن يجهل ذاك الأورع
وما يكون شرف المجالس ... جلا العلا للحافظ المدارس
تعلو به الرتبة عن يقين ... في شرف الدنيا وحكم الدين
وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن فارس الرازي في مختصره في السير أوله:«هذا ذكر ما يحق على المرء المسلم حفظه، ويجب على ذي الدين معرفته، من نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولده ومنشئه وشيعته، وذكر أحواله في مغازيه ومعرفة أسماء ولده، وعمومته وأزواجه. فإن للعارف بذلك رتبة تعلو على رتبة من جهله، كما أن للعلم به حلاوة في الصدر، ولم تعمر مجالس الخير بعد كتاب الله بأحسن من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم» منها قال الإمام أبو العباس العزفي السبتي في الدر المنظم بعد نقل كلام ابن فارس مشيرا إلى قوله يجب: «فهذا إمام من أئمة المسلمين قضى بوجوب معرفة مولده على المؤمنين» .
وقال أبو عيسى المهدي بن أحمد بن علي الفاسي في شرحه الوسط على الدلائل إثر كلام ابن فارس: والوجوب في كلامه يحتمل الوجوب الشرعي أو العرفي بمعنى ينبغي مرجعه إلى اعتبار الأولى والأخلق وقد حمله العزفي على الوجوب الشرعي والله أعلم.
وعليه فيحتمل وجوب معرفة جميع ما ذكر أو بعضه وباقيه استطراد وزيادة خير للعارف به رتبة كما قال تعلو على رتبة من جهله والله أعلم.
والظاهر حمل الوجوب على الشرعي، وأنه يتعلق بجميع ما عدد. وللقرافي في الذخيرة وأشار إليه في شرح الأربعين: أن جملة الأحوال المتعلقة بالرسول، كلها فضلا عمّا به يتعين يرجع إلى العقائد لا إلى العمل، فيجب البحث عن ذلك ليحصل كمال المعتقد.
ومشخصاته هي معرفة اسمه ونسبه وزمانه ومكانه وصفته عليه السلام وقال مفخرة الشام ابن القيم الجوزية في زاد المعاد بعد أن بين اضطرار العباد إلى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما أخبر وطاعته فوق ما أمر ونصه:«وإذا كانت سعادة الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه» .
انظر بقية كلامه ولا شك أن المسلم إذا تتبع السيرة على الوجه الذي توخيناه، لم يبق له شك في أن نبيه جاء بعمارة الدنيا والعمل للآخرة، لا بخراب العالم والانقطاع عن العمل، حاشا وكلّا. نعم جاء عليه السلام بعدم تعمير القلب بالدنيا تعميرا يغافل به المسلم عن ربه وتوحيده، ولكن أمرك أن تجد وتجتهد حتى تملأ منها يدك وتترك قلبك لله، وما يرضيه منك من وجوه مبرات وحسنات لبني جلدتك خالدات، بهذا جاء الدين لا بعكسه.
ويدلّك لذلك أن ثلث الشريعة الإسلامية عبادات، وأسرار تلك العبادات تتضمن سعادة بذلك وحياة روحك زيادة على إخلاص العمل لوجه الله، وبقية الثلثين معاملات دنيوية وكيفية الأخذ منها والرّد بالقسط. انظر إلى أجزاء الزرقاني مثلا على المختصر الثمانية فإن أحكام