يقول في الحديث: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، وليس يحسن الكتابة فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فقوّلوا عليه، وحملوا كل تكذيب وتعطيل عليه، وانتدب جاهل من المقرئين، فأخبرني أبو محمد عبد الله بن أبي عصام بالمسجد الأقصى قال: رأيته يصيح في المسجد الجامع، ويعلن بالزندقة إليه بيد أن الأمير كان متثبتا فدعا بالفقهاء، فاتفقوا على أن هذا القول كفر، فاستظهر الباجي ببعض الحجة في ذلك وقال للأمير:
هؤلاء جهلة ولكن اكتب إلى علماء الآفاق، فكتب إلى إفريقية وصقلية، فجاء الجواب: إن يكتب بعد أميته فيكون ذلك من معجزته، لا يطعن أحد بذلك عليه، لأنهم تحققوا أميته ثم شاهدوا معجزته، فوقفوا ولم يطعنوا اهـ كلام ابن العربي. ومن نسخة عندي عليها خطه نقلت.
وفي ترجمة الباجي من «الديباج المذهب» للبرهان بن فرحون أن الذي أنكر على الباجي وكفره أبو بكر بن الصائغ الزاهد، قال ابن فرحون: وتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه اللعن، فلما رأى ذلك الباجي، ألف رسالته المسماة بتحقيق المذهب، بين فيها المسألة لمن يفهمها، وأنها لا تقدح في المعجزة، كما لا تقدح القراءة في ذلك، فوافقه أهل التحقيق بأسرار العلم، وكتب بها لشيوخ صقلية فأنكروا على ابن الصائغ ووافقوا أبا الوليد على ما ذكره اهـ كلام ابن فرحون.
وقد ساق قصة الباجي هذه الحافظ الذهبي في ترجمته من تذكرة الحفاظ، وذكر أن الباجي لما ألف رسالته التي بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، رجع بها جماعة. ثم قال: ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميا، لأنه لا يسمى كاتبا، وجماعة من الملوك قد أدمنوا على كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام إنا أمة أمية أي أكثرهم كذلك لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة: ٢] اهـ كلام الذهبي. وهو وجيه لا غبار عليه.
وخرّج الذهبي في التذكرة أيضا في ترجمة ابن مندة ص ٣٥ من الجزء الثاني، بسنده إلى عوف بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب، ثم قال الذهبي عقبه: قلت: وما المانع من جواز تعلم النبي صلى الله عليه وسلم يسير الكتابة، بعد أن كان أميا لا يدري ما الكتابة؟ فلعله لكثرة ما أملى على كتاب الوحي، وكتاب السنن والكتب إلى الملوك، عرف من الخط وفهمه وكتب الكلمة والكلمتين، كما كتب اسمه الشريف يوم الحديبية (محمد بن عبد الله) وليست كتابته لهذا القدر اليسير، مما يخرجه عن كونه أميّا، ككثير من الملوك أميين ويكتبون العلامة اهـ من التذكرة بلفظها. وما أشار إليه الذهبي أقوى صدمة للمعارض من كون كتابته عليه السلام كانت معجزة، وإن سبق إليها ابن العربي كما تقدم، ثم الحافظ ابن الجوزي في المشكل فإنه قال: إطلاق يده بالكتابة ولم يحسنها