للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه أيضا: كان عمر بن الخطاب يأمر إذا قدم عليه العمال أن يدخلوا نهارا، ولا يدخلوا ليلا كي لا يحتجنوا شيئا من الأموال.

وعزى العقباني في تحفة الناظر لجامع الموطأ أن عمر بن الخطاب: كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد العبد في عمل ثقيل، لا يطيقه. وضع عنه منه بقدر ما يظهر له.

وفي العتبية قال مالك: إن عمر بن الخطاب مرّ بحمار عليه لبن فوضع عنه طوبتين، فأتت سيدته لعمر فقالت: يا عمر، ما لك ولحماري؟ ألك عليه سلطان؟ قال: فما يقعدني في هذا الموضع؟ ثم ذكر القصة في خروجه إلى الحوائط بالعوالي.

قال ابن رشد: المعنى في هذا بيّن، لأن المصطفى عليه السلام قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته. وقد قال عمر في هذا: لو مات جمل بشاطىء الفرات ضياعا، لخشيت أن يسألني الله عنه اهـ من البيان والتحصيل.

وبذلك كله تعلم ما في الخطط للمقريزي: أول من نظر في المظالم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأوّل من أفرد للظلامات يوما بتصفح قصص المتظلمين من غير مباشرة النظر عبد الملك بن مروان، ثم زاد الجور فكان عمر بن عبد العزيز أوّل من ندب نفسه للنظر في المظالم فردها، ثم جلس لها خلفاء بني العباس اهـ أيضا ما في قول النويري في نهاية الإرب: لم ينتدب أحد من الخلفاء للمظالم، وإنما كانت المنازعات تجري بين الناس فيفصلها حكم القضاة اهـ فإنهم غفلوا جميعا عن سيرة المصطفى وعمر وبذلك كله تعلم ما في نقل الخزاعي في هذه الترجمة، عن ابن العربي في الأحكام من أن هذه الولاية غريبة محدثة، فإنه غفلة منه، عما نقله بنفسه عن الكلاعي في الاكتفاء في باب محاسبة أبي بكر عماله، وكذا قول النويري في النهاية: لم ينتدب أحد للمظالم من الخلفاء، وإنما كانت المنازعات تجري بين الناس فيفصلها حكم القضاء.

تنبيه: في تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية للزركشي؛ أن عمر بن الخطاب أوصى حين كتب عهده، أنه لا يولّى العامل أكثر من عامين، استشهد بذلك حين ذكر عن الشيخ أبي محمد عبد الواحد الغرياني عمن يوثق به، أن من عادة الموحدين قديما بتونس، أنهم كانوا لا يولون القضاء أكثر من عامين. وأيضا فإنهم يرون أن القاضي إذا طالت مدة قضائه أكثر الأصحاب والإخوان، وإذا كان بمظنة العزل لا يغتر، وأيضا فإن الحال إذا كان هكذا ظهرت مخايل المعرفة بين الأقران، وكثر فيهم القضاة بتدربهم على الوقائع فيبقى الحال محفوظا، بخلاف ما إذا استبد الواحد بعمل؛ فإنه لا يقع فيهم تناصف، ولا يحصل لمن يلي بعده النفوذ بوظيفة ما قدم إليه إلا بعد حين وتنطمس القلوب الطلبة كذا لا ياسهم من الولاية إلا بعد مشقة اهـ منه ص ٤٤.

وفي طبقات ابن سعد: أن عمر كان إذا بعث عاملا على مدينة كتب ماله، وقد قاسم

<<  <  ج: ص:  >  >>