للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الليل حاسب نفسه، وربما ضرب نفسه بالدرة قال: ولعلها عود في رأسه سوط اهـ؛ وكلام الفقهاء في باب الشرب صريح في المغايرة بينها وبين السوط: ففي المواق لدى قول خليل: والحدود بسوط من المدونة. ولا يجزي الضرب في الحدود بقضيب وشراك ولا درة، ولكن السوط، وإنما كانت درة عمر للأدب اهـ ونحوه للحطاب وغيره.

وأغرب صاحب الفتح الرباني في عنق المعترض على القطب الجيلاني حيث قال:

كان عمر كثيرا ما يؤدب الناس بالسوط المشهور بالدرة، وهو بكسر الدال: جلد مركب بعضه على بعض اهـ ومثله في الغرابة ما وجدته بخط الشيخ مصطفى بن محمد البناني المصري على هامش تأليفه: روضة الطالبين لأسماء الصحابة البدريين، ونصه: الدرة بكسر الدال وتشديد الراء؛ كانت من نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه ما ضرب بها أحد على ذنب وعاد له فاعله اهـ.

وقال الدسوقي في حواشيه على شرح الدردير على المختصر: الدرة سوط رفيع مجدول أي معتدل من الجلد اهـ ونحوه للصاوي في حواشيه على أقرب المسالك، وفيه أيضا أنها كانت من جلد مركب بعضه فوق بعض اهـ وهو بعيد عندي؛ لأنها تدخل إذ ذاك فيما في صحيح مسلم، ومسند أحمد عن أبي هريرة، رفعه: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس» . «١» وفي حديث آخر لمسلم:

«إن طالت بك مدة يوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنة الله، في أيديهم مثل أذناب البقر» . «٢» قال المناوي قوله: كأذناب البقر تسمى في ديار العرب بالمقاريع، جمع مقرعة وهو جلدة طرفها مشدودة وعرضها كالأصبع يضربون بها الناس اهـ ونحوه في روح البيان.

أقول: اتخاذ عمر لها للإذن له في حملها، والضرب على حسب ما حدّ له، فلم يكن يصل في الضرب بها إلى حد ما أنذر به الشارع، وكما كانت الدرة لعمر كانت لعثمان أيضا، إلا أنها أشد من الدرة العمرية كما في أوائل السيوطي وغيره. وفي سراج الملوك للطرطوشي قال الحسن: رأيت عثمان بن عفان وقد جمع الحصباء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه، وقد وضع أحد جانبي ردائه عليه، وهو يومئذ أمير المؤمنين، ما عنده أحد من الناس ودرته بين يديه اهـ وكان لسيدنا علي أيضا درة فقد أخرج عبد بن حميد في مسنده عن مطرف قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي:

إرفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأبقى له فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزر بإزار مرتد برداء، ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي فقلت من هذا؟ فقال لي رجل: هذا علي بن أبي


(١) انظر مسلم: كتاب اللباس باب ٣٤ ص ١٦٨٠/ ٢.
(٢) انظر كتاب الجنة ونعيمها باب ١٣ ج ٣/ ٢١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>