في سلمان رضي الله عنه وكان رجلا قويا فقال المهاجرون: منا وقال الأنصار: منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منا أهل البيت.
«وفي سيرة ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم ضرب معهم، وحفر بنفسه الكريمة، وأقبل فوارس من قريش حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
«وفي ترجمة سلمان من الاستيعاب ص ٥٧٢ من ج ٢ أن سلمان هو الذي أشار به، وأن أبا سفيان هو الذي قال: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
وفي نفحة الحدائق: أول من ضرب الخندق في الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة» .
وقال: السهيلي أيضا: اتخاذ الخندق من مكايد الفرس في الحروب، ولذلك تفطن سلمان وأشار به، والفرس أول من خندق «١» وبختنصّر أول من اتخذ الكمائن. ويدل ذلك على جواز مثل هذا في التحرز من العدو، والأصل فيه قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: ٦١] اهـ نقله ابن باديس.
وفي ذلك أعظم دلالة، على أن المماليك والدول التي لا تنسج على منوال مجاوريها، فيما يتخذونه من الآلات الحربية، والتراتيب العسكرية والأنظمة العلمية والعملية الصناعية والزراعية، يوشك أن تكون غنيمة لهم ولو بعد حين، فحال نبينا الكريم كان يقضي بأخذه بالأحسن والأنفع في كل باب، سواء كان قومه يعلمونه ويعملون عليه أم لا، ولذلك ثببت أنه قال لعاصم بن ثابت: من قاتل فليقاتل كما يقاتل.
وقال الحافظ ابن تيمية في رسالة عموم بعثته عليه السلام: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتال الترك، وأن أمته ستقاتلهم، ومعلوم أن قتالهم النافع إنما هو بالقسي الفارسية ولكن قوتلوا بالقسي العربية التي تشبه قوس القطر فلم تغن شيئا؛ بل استطالوا على المسلمين بقوة رميهم، فلا بد من قتالهم بما يقهرهم، وقد قال بعض المسلمين لعمر بن الخطاب: إن العدو إذا رأيناهم لبسوا الحرير وجدنا في قلوبنا روعة فقال: وأنتم فالبسوا كما لبسوا، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في عمرة القضاء بالرّمل والاضطباع، ليرى المشركون قوتهم، وإن لم يكن هذا مشروعا قبل هذا، ففعل لأجل الجهاد ما لم يكن مشروعا اهـ.
ويوضح هذا ما تضمنته وصية الصديق، لخالد بن الوليد حين بعثه لقتال المرتدين فقال: يا خالد، عليك بتقوى الله، والرفق بمن معك، إلى أن قال: ثم إذا لاقيت القوم فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به، السهم للسهم، والرمح للرمح، والسيف للسيف، قال في أقوم المسالك: ولو أدرك هذا الزمان لأبدل ذلك بذكر المدفع، والقنابل والسفينة المدرعة ونحو ذلك من المخترعات، التي تتوقف عليها المقاومة، ولا يتحصل بدونها الاستعداد الواجب شرعا الذي يلزم معرفة قوة المستعد له، والسعي في تهيئة مثلها أو خير منها، ومعرفة الأسباب المحصلة له اهـ.
(١) خندق كلمة معربة عن كندك. بمعنى حفرة واليوم يقال في الفارسية: كنده. مصححه.