للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمر فقال: يا أبا حسان لا بأس به انظر ص ١٢٢ الجزء الرابع، وكان يأمر الصحابة بذلك أيضا. قال المناوي في شرحه الكبير على الجامع الصغير لدى حديث: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، المخرج من ابن ماجه والبزار والطبراني، وابن عدي والبيهقي والحاكم عن عدة من الصحابة ما نصه: إذا أتاكم كريم قوم أي رئيسهم المعظم فيهم المعود منهم بإكبار الإعظام، وإكثار الإحترام فأكرموه، برفع مجلسه وإجزال عطيته ونحو ذلك، مما يليق به؛ لأن الله عوّده ذلك منه إبتلاء له، فمن استعمل معه غيره فقد إستهان به وجفاه، وأفسد عليه دينه؛ فإن ذلك يورث في قلبه الغل والحقد والبغضاء والعداوة، وذلك يجر إلى سفك الدماء. وفي إكرامه إتقاء شره، وإبقاء دينه، فإنه قد تعزز بدنياه وتكبروتاه وعظم في نفسه، فإذا أحقرته فقد أهلكته من حيث الدين والدنيا، وبه عرف أنه ليس المراد كريم القوم عالمهم أو صالحهم، كما وهم البعض، ألا ترى أنه لم ينسبه في الحديث إلى علم ولا دين.

ومن هذا السياق انكشف أن إستثناء الكافر والفاسق كما وقع لبعضهم منشؤه الغافلة عما تقرر، من أن الإكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي، أو تكون ضررا للفاعل أو المفعول معه، فمتى خيف شيء من ذلك شرع إكرامه بل يجب، فمن قدم عليه بعض الولاة الظلمة الفسقة فأقصر مجلسه وعامله معاملة الرغبة، فقد عرض نفسه وماله للبلاء، فإن أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة وقد قيل: دارهم ما دمت في دارهم، وحيهم ما دمت في حيهم. اهـ.

وقال عليه السلام: بعثت نبيا مداريا «١» . ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين بمزيد الورع يقبلون جوائز الإمراء المظهرين للجور ويظهرون لهم البشاشة حفظا للدين ورفقا بالمسلمين، ورحمة بذلك الظالم المبتلي المتكبر، وهكذا كان أسلوب المصطفى عليه السلام مع المؤلفة قلوبهم، وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن معرفة تدبير الله ورسوله، والجمود على ظاهر: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج: ١٨] وما دروا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسن البيان بموضع طلب إهانة الفاسق والكافر للأمن من حصول مفسدة،

والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله أو يهين لله. ولهذا قال بعض العارفين: ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه من الولاة، فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع عنه كبرياءه ورأى نفسه دونه، وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه، قال: فمن أتانا فقيرا حقيرا أكرمناه، كائنا من كان وإن كان ظالما فنحن ظالمون أنفسنا بالمعاصي وغيرها، ولو بسوء الظن فظالم قام لظالم، وأكرمه. وقد كان المصطفى يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم، ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة الالهية ورؤي بعض الأولياء في النوم، وعليه حلة خضراء والأنبياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الرائي فقصه على بعضهم فقال: لا تنكره فإن


(١) ذكر في كشف الخفاء حديثا بمعناه: بعثت بمداراة الناس وعزاه للبيهقي عن جابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>