لنفسه ولصاحبه، وسراية نفعه إلى عموم الخلق. وأخرج القضاعي عن أنس قال المناوي بإسناد حسن رفعه: التاجر الجبان محروم، والتاجر الجسور مرزوق، وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي ويحيى بن جابر الطائي مرسلا قال المناوي: ورجاله ثقات: تسعة أعشار الرزق في التجارة، والعشر في المواشي. يعني النتاج.
وقال الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في رسالته في مدح التجار وذم عمل السلطان: وقد علم المسلمون أن خيرة الله من خلقه، وصفوته من عباده، والمؤتمن على وحيه من أهل بيت التجارة، وهي معوّلهم وعليها معتمدهم، وهي صناعة سلفهم وسيرة خلفهم. وبالتجارة كانوا يعرفون. ولذلك قالت كاهنة اليمن: لله الديار ولقريش التجار، اسم اشتق لهم من التجارة. والتقريش، فهو أفخم أسمائهم وأشرف أنسابهم، وهو الاسم الذي نوّه الله به في كتابه، وخصهم به في محكم وحيه وتنزيله، ولهم سوق عكاظ وفيهم يقول أبو ذؤيب:
إذا ضربوا القباب على عكاظ ... وقام البيع واجتمع الألوف
وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم برهة من دهره تاجرا، وباع واشترى حاضرا اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: ١٢٤] ولم يقسم الله مذهبا رضيا ولا خلقا زكيا، ولا عملا مرضيا إلا وخصه منه أوفر الحظوظ، وأقسمه فيه أجزل الأقسام، ولشهرة أمره في البيع والشراء قال المشركون: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٧] فأوحى الله إليه: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠] فأخبر أن الأنبياء قبله كانت لهم صناعات وتجارات اهـ كلامه انظر بقيته فيه ضمن مجموعة من رسائل الجاحظ طبعت بمصر سنة ١٣٢٤.
وأخرج الديلمي عن ابن عباس: أوصيكم بالتجار خيرا فإنهم برد الآفاق، وأمناء الله في الأرض. وهذا كالصريح في تفضيل التجارة على غيرها من المكاسب، وللإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد الخلال، كتاب في الحثّ على التجارة، ذكره له ابن سليمان الرداني في صلته، في حرف الجيم، وذكر إسناده له، وقد استدل كثيرون بحديث الصحيح:(ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)«١» ، على أن الزراعة أفضل المكاسب؛ لما فيها من النفع المتعدي. والنفع المتعدي أفضل من القاصر، وقال الحافظ ابن حجر: الصواب أن ذلك يختلف باختلاف الأوقات والأشخاص اهـ.
وقال بعض الأعلام: وينبغي أن يختلف التفاضل بين الثلاثة باختلاف الحال؛ فإن
(١) رواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة ص ٦٦ ج ٣ من حديث أنس.