فزجرها عنها، وردها إلى الغناء الذي هو لهو. ولأن هذا جدّ محض فلا يقرن بصورة اللهو. فواجب في الإحترام العدول إلى الغناء عن القرآن، كما وجب على تلك الجارية العدول عن شهادة النبوة إلى الغناء اهـ منها ونحوه لابن التين السفاقسي في شرحه على الصحيح.
ونظيره ما سبق في باب ذكر ما كانوا يغنون به فانظره، وفي الإرشاد للقسطلاني على قصة الربيع هذه: وقوله دعي هذه وقولي الخ ما نصه: فإن مفاتيح الغيب عند الله لا يعلمها إلا هو، وأيضا يحتمل أن يكون الممنوع أن يوصف عليه السلام أثناء اللعب واللهو، إذ منصبه أجلّ واشرف من أن يذكر إلا في مجالس الجد اهـ.
وكذلك نقول هنا: لو كان فعل الحبشة مجرد لعب لنهاهم عليه السلام أن يقولوا وهم يلعبون: محمد عبد صالح. وحيث لم ينههم، بل أقرهم وأغراهم فهو ذكر قصد به التعبد وطاعة، وإظهار الفرح بالله وبرسوله، فلذلك أقرّهم عليه السلام وعجب من فعلهم ونالوا غاية الرضى منه.
وفي الشفا: كان السلف الصالح تظهر عليهم حالات شديدة عند مجرد ذكره عليه السلام اهـ.
ومن جواب للشيخ أبي السعود الفاسي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل أن يذكر إلا على قصد الثواب، ومواضع الفرجة فيجل ذكره عن ذلك كله اهـ.
وأما قول الحافظ ابن حجر في الفتح: استدل قوم من الصوفية بحديث الباب على جواز الرقص وسماع آلات اللهو، وطعن فيه الجمهور لاختلاف المقصدين، فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب، فلا يحتج به للرقص في اللهو. ففيه نظر لأن رقص القوم ليس من اللهو واللعب ولذا قال شيخنا أبو عبد الله محمد الفضيل الشبيهي في الفجر الساطع إثره: وفيه نظر، فإن الرقص الذي أثبته الصوفية ليس قصدهم منه اللهو، وحاشاهم من قصد ذلك، وانما قصدهم به الإجتماع على الذكر، والإقبال عليه بالقلب والقالب، واستغراق الجوارح كلها فيه وهو قصد صحيح، لما جاء من الترغيب في الإكثار من الذكر على أي حال كان الذاكر، فلا طعن في الإستدلال عليه برقص واقع لمقصد صحيح أيضا اهـ منه.
أقول: غاية الرقص عند القوم ذكر من قيام، وهو مشروع بنص القرآن: اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم، وتمايل واهتزاز وهو منقول عن الصحابة، فقد خرّج أبو نعيم في الحلية عن الفضيل بن عياض: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا الله تمايلوا يمينا وشمالا كما تتمايل الشجرة بالريح العاصف إلى أمام، ثم ترجع إلى وراء انظر تأليف الرقص لشيخنا الأستاذ الوالد، وهو مطبوع واختصاره لشيخنا أبي العباس ابن الخياط الزكاري، وذيلنا على الأصل، ورسالة الحافظ أبي العباس أحمد بن يوسف الفاسي في المسألة وهي