قال شيخنا الأستاذ الوالد في تحديد الأسنة، عقب حديث أكله عليه السلام خالص الدقيق المذكور: فإن قلت خرّج الترمذي في الشمائل عن سهل بن سعد «١» ، أنه قيل: أأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ يعني الحوار. قال سهل: ما رأى صلى الله عليه وسلم النقي حتى لقي الله عز وجل.
قلت: أخبر رضي الله عنه بحسب إطلاعه ومنتهى علمه، وإلا فالمثبت مقدم على النافي.
ومن أثبت حجة على من نفى. ولم يحط أحد بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.
وفي طبقات ابن سعد أن ابن عمر كان يستحب أن يطيّب زاده، وأنه قيل لنافع: أكان ابن عمر يصيب من هذا الطعام؟ فقال: كان ابن عمر يأكل الدجاج والفراخ، والخبيص في البرمة.
وفي أوائل السيوطي: أول من خبص الخبيص عثمان، خلط العسل والنقي من الدقيق ثم بعث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزل أم سلمة، وفيها أيضا: أول من أدخل الفالوذج ديار العرب أمية ابن أبي الصلت، أطعمه بعض الناس ذلك بالشام، فبلغ ذلك عبد الله بن جدعان فوجه إلى اليمن من جاء له بمن يعمل له الفالوذج بالعسل، وفي مناهج الأخلاق السنية للفاكهي: وفي رواية جمع وصححها الحاكم، كما نبه عليه الشيخ محمد الشافعي في سيرته: أهدى ملك الهند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا منها جرة فيها زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة قطعة. قال أبو سعيد الخدري وأطعمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعتين اهـ.
وقد قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه صيد الخواطر: بلغني عن بعض زهاد زماننا أنه قدم له طعام فقال: لا آكل. قيل له: لم؟ فقال لأن نفسي تشتهيه وأنا منذ سنين ما بلغت نفسي ما تشتهي. فقلت لقد خفيت طرق الصواب عن هذا من وجهين:
وسبب خفائها عدم العلم. أما الوجه الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على هذا ولا أصحابه، وقد كان عليه السلام يأكل لحم الدجاج ويحب الحلوى والعسل. ودخل فرقد السنجي على الحسن وهو يأكل الفالوذج فقال: يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال: لا آكله ولا أحب من يأكله فقال الحسن: لعاب النحل، بلباب البر، بسمن البقر هل يعيبه مسلم؟ وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جارا لا يأكل الفالوذج فقال: ولم؟ قال: يقول لا أؤدي شكره فقال:
إن جارك جاهل، وهل يؤدي شكر الماء البارد؟ وكان سفيان الثوري يحمل في سفره الفالوذج واللحم المشوي ويقول: إن الدابة إذا أحسن إليها عملت، وجيء إلى علي بفالوذج فأكل منه، وقال: ما هذا قالوا: نور النيروز. فقال: نورزونا في كل يوم. فينبغي للإنسان أن يتبع الدليل، لا أن يتبع طريقا ويطلب دليلها، وقد قالت رابعة: إن كان صلاح قلبك في الفالوذج فكل منه، ولا تكن ممن يرى صور الزهد، فرب مشبع لا يريد الشبع وإنما يريد المصلحة، وليس كل بدن يقوى على الخشونة؛ خصوصا من قد لاقى الكل [الكلل] وأجهده الفكر.
(١) انظر باب صفة خبز رسول صلى الله عليه وسلم ص ٩٣ من الطبعة الأولى ١٣٤٤ هـ.