وأخرج البيهقي عن الحسن قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع ما تقوله السنة شرح للقرآن، وقال أيضا: جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.
ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: إني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم. وقال الشافعي أيضا: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، وقليل من الأحكام ما تثبت بالسنة ابتداء.
قلت: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة، لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول. وفرض علينا الأخذ بقوله.
وقال الشافعي مرة بمكة: سلوني عماشئتم أخبركم عنه من كتاب الله. فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧] وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر. وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل المحرم الزنبور.
وأخرج البخاري عن ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن، المغيّرات لخلق الله تعالى. فبلغ ذلك لامرأة من بني أسد فقالت له: بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت. فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله.
فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول! قال لئن كنت قرأته، لقد وجدته، أما قرأت وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧] قالت:
بلى فقال: إنه نهى عنه.
وحكى ابن سراقه في كتاب الإعجاز عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال يوما: ما من شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله. فقيل له: فإن ذكر الخانات فيه؟ فقال في قوله:
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ [النور: ٢٩] فهي الخانات.
وقال بعضهم ما من شيء إلا ويمكن استخراجه من القرآن لمن فهّمه الله تعالى، حتى إن بعضهم استنبط عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة، من قوله: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها [المنافقين: ١١] فإنّها رأس ثلاث وستين سورة. وعقبها التغابن ليظهر التغابن في فقده.
وقال ابن أبي الفضل المرسي في تفسيره: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم بها حقيقة، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلا ما أستاثر به