وبعد القرآن أول من اعترف التاريخ لهم بتدوين الموسوعات علماء الإسلام، لكن ابتداء التدوين فيها كان موضوعه والغرض منه عندهم إحصاء العلوم المستعملة، ثم وقع التوسع في الموسوعات شأن كل مرمى جديد.
وأول ما ظهر ذلك فيهم في القرن الرابع، ألّف الإمام أبو الرجاء محمد بن أحمد بن الربيع الأسواني الشافعي، المتوفي سنة ٣٣٥ المترجم في يتيمة الدهر للثعالبي وغيره، قصيدة في أخبار العالم، وقصص الأنبياء، والحديث والفلسفة والطب والفقه ومختصر المزني، وغير ذلك. ذكرها له في كشف الظنون المطبوع. وفيه: أنه سئل قبل موته كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال: ثلاثين ألفا ومائة ألف بيت، وبقي علي أشياء تحتاج إلى زيادة. انظر كشف الظنون، والطالع السعيد، للكمال الأدفوي ص ٢٦٧. ولا تستغرب هذا العدد من النظم، عن أهل القرن الرابع، فقد جاء عن أهل القرن الثالث ما هو أعجب. ذكر أحمد بن يحيى ابن المرتضى: في باب ذكر المعتزلة من كتاب «المنية والأمل» في شرح كتاب الملل والنحل، في ترجمة بشر بن المعتمر الهلالي البغدادي، أن له قصيدة في أربعين ألف بيت، ردّ فيها على جميع المخالفين. وبشر هذا توفي سنة ٣١٠ كما أرخه بذلك الذهبي، وابن البخاري، وكيفما ظننا أن مادة الأعداد مبالغ فيها، فلا تكون كل واحدة من هذه القصائد إلا أكثر من عدد أبيات الإلياذة، التي عدد أبياتها زهاء ١٦ ألف بيت.
وألف الإمام أبو نصر الفارابي المتوفي سنة ٣٣٩ كتابه في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، ووجوه الانتفاع بها، وفيه قال القاضي صاعد في طبقات الأمم: هو كتاب شريف في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، لم يسبق إليه ولا ذهب أحد مذهبه، ولا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه اهـ ص ٦٢.
وقال عنه القاضي ابن الأزرق في روضة الأعلام: أحصى فيه العلوم القديمة وذكر فيه بعض علوم الإسلام اهـ وهو كتاب نادر الوجود توجد منه الآن نسخة خطية في إسبانيا، وهو مترجم إلى اللغة اللاتينية والعبرانية، ثم سمعت أنه طبع، ثم كتاب مفاتيح العلوم، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي المتوفي سنة ٣٨٧ ألفه لأبي الحسن عبيد الله بن أحمد العتبي، وقد قسمه إلى مقالتين: الأولى تشتمل على اثنين وخمسين فصلا، تجتمع في ستة أبواب، وهي الفقه، الكلام، النحو، الكتابة، الشعر، العروض، الأخبار. والمقالة الثانية اشتملت على اثنين وأربعين فصلا في أبواب: الفلسفة، المنطق، الطب، علم العدد، الهندسة، النجوم، الموسيقى، الخيال، الكيمياء. وقد طبع الكتاب المذكور في ليدن سنة ١٨٩٥ مسيحية، ثم في مصر وقد نقل عن هذا الكتاب المقريزي في الخطط؛ في تعريفه علم التاريخ فقال: قال محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف البلخي:
في كتاب مفاتيح العلوم: وهو كتاب جليل القدر اهـ انظر ص ١٥ من ج ٢ ولهم خوارزمي آخر له كتاب اسمه «مفيد العلوم ومبيد الهموم» ينقل عنه أبو سالم العياشي في كتابه «الحكم