للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترجم في الإصابة لتمام بن أوس فقال: له إدراك، وكان علّامة في الأنساب، حتى قال ابن الكلبي: كان أنسب العرب. وهو الذي قال لمعاوية: إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها اهـ.

وأما خبر: علم النسب علم لا ينفع، وجهالة لا تضر، فقال الحافظ في الفتح: روي مرفوعا ولا يثبت، وروي عن عمر أيضا ولا يثبت اهـ وقد أقام البرهان على بطلانه الحافظ ابن حزم، أول جمهرته، وجعله من العلوم النافعة التي جهلها يضر، لأن من علم النسب ما هو فرض على الأعيان، وأسند إلى عمر قوله: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم.

قال ابن حزم: وكان أبو بكر الصديق وأبو الجهم بن حذيفة العدوى، وجبير بن مطعم بن عوف بن نوفل بن عبد مناف، من أعلم الناس بالأنساب. وكان عمر وعلي وعثمان فيه علماء. وإنما ذكرنا أبا بكر وأبا الجهم وجبيرا قبلهم، لشدة رسوخهم في العلم بأنساب العرب. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم أنساب قريش عن أبي بكر. وهذا يكذب قول من نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر؛ لأن هذا القول لا يصح، وكل ما ذكرنا صحيح مشهور منقول في الأسانيد الثابتة، يعلمها من له أقل علم بالحديث، وما فرض عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب الديوان إذ فرض إلا على القبائل، ولولا علمه بالنسب ما أمكنهم ذلك، فبطل قول كل مخالف اهـ كلام الجمهرة من نسخة عندي بخط نسّابة المغرب، ونقيب الأشراف به أبي الربيع الحّوات رحمه الله.

وفي ترجمة أبي بكر من تاريخ الخلفاء: كان الصديق أعلم بأنساب العرب، لا سيما قريش. أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عنبسة عن شيخ من الأنصار قال: كان جبير بن مطعم من أنسب قريش لقريش، والعرب قاطبة. وكان يقول: إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق، وكان أبو بكر الصديق من أنسب العرب اهـ منه.

وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب، بسنده عن عبد الله بن بريدة، أن معاوية بن أبي سفيان دعا دغفلا فسأله عن العربية، وسأله عن أنساب الناس، وسأله عن النجوم، فإذا رجل عالم قال: يا دغفل من أين حفظت هذا؟ قال: حفظت هذا بقلب عقول، ولسان سئول، وإن غائلة العلم النسيان. فقال معاوية: انطلق إلى يزيد فعلمه أنساب الناس، وعلمه النجوم وعلمه العربية اهـ.

ودغفل هذا هو ابن حنظلة السدوسي الشيباني النسابة العلامة، قاله ابن عبد البر. قال بعض الكاتبين: علم النسب في الحقيقة ليس عبارة عن نسب الأشخاص والقبائل، فإن هذه معرفة بسيطة لا تستحق أن تسمى علما، وإنما كان النسابون يعرفون أخبار أولئك الأشخاص، وأخبار تلك القبائل. وهذا هو التاريخ، وربما كان السبب في اشتهار هذه المعرفة بعلم الأنساب، أن عارفي الأخبار، كما إليهم المرجع في معرفة الأنساب، التي من

<<  <  ج: ص:  >  >>