قلت: وذلك منه عليه السلام امتثال لأمر الله له، ففي القرآن: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: ٥] . وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [النساء: ٢٦ أ] بمعنى وذكرهم بوقائع الله التي وقعت للأمم السالفة، ويريد أن يعرفكم ما خفي عنكم من مصالحكم، ومحاسن أعمالكم ببيانها، ويهداكم مناهج من تقدمكم، من أهل الرشد والخير، لتسلكوا مسالكهم، فإن التاريخ يبحث فيه عن أحوال الأمم الخالية والأجيال الفانية، مع ضبط أشخاصهم بأسمائهم وألقابهم، وكناهم وأنسابهم واستيعاب رسومهم وأخبارهم، وبضائع علومهم وآثارهم، وصنائع الطوائف وعوائدهم، وسقوطهم ونهضتهم، وهو علم يتنافس فيه عقلاء الأمم والأجيال، ويتفاخر به الملوك والأقيال، وتسمو إلى معرفته حتى السوقة والأغفال، وتشد إلى تحصيله الركائب والرحال.
وناهيك أن الله قص علينا في القرآن ما دار بين الأنبياء وأممهم، وأوضح لنا بيان مدتهم ومواطنهم، وأسماء أماكنهم كسبأ، والأحقاف، والحجر، ومكة، والمدينة، ومدين، ومصر، وأرشدنا بذلك إلى تعاقب أدوار الزمان، والتحول والنضارة والذبول، والعمار والدمار، وأمرنا بالمسير لننظر الحقائق، ونتناظر فيها، ونجانب الظنون، ولا نركن إليها، ولنطلع على عجائب صنع الله فيها، وامتن عل عباده بالجبال الشاهقة، التي يأوون إليها ويعتصمون فيها، وبالبحار الزاخرة الواسعة، التي ينتفعون بما يخرج منها، ويسافرون عليها، وبالحدائق المزينة بالأزهار، المطرزة بالثمار، وذكر لنا الجب والكهف والأخدود والغار، والقصر والبيت والدار، والقرى، والمدائن، والبروج، والحصون والمساكن، والبيع والصلوات، والمقاعد والعمد، والمحاريب، والمساجد والمجالس، والتناد والصخر والواد، وعنّف القاعدين الذين لم يركبوا متن الآمال الواسع، واستبعدوا المحل الشاسع، ولم يهجروا المضجع الوثير، لطلب المحل الأثير فقال تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها [الروم: ٩] وحضّ سبحانه على النظر والتأمل والاعتبار بقوله، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [الروم: ٤٢] ولا يرد على ما ذكر أول الترجمة حديث: لا سمر إلا لمصل أو مسافر، فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول. قال الحافظ في الفتح: وبتقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالصلاة النافلة، وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه، فقال أبو موسى: الصلاة فقال عمر: إنا في صلاة.
قلت: القصة التي أشار لها الحافظ خرّجها عبد الرزق، وابن أبي شيبة عن أبي بكر ابن أبي موسى، أن أبا موسى أتى عمر بن الخطاب بعد العشاء فقال له عمر: ما جاء بك؟
قال: جئت أتحدث إليك قال: هذه الساعة قال: إنه فقه، فجلس عمر فتحدث طويلا، ثم إن أبا موسى قال الصلاة يا أمير المؤمنين قال إني في الصلاة.