ومما جاء عن المضحكات في الزمن النبوي بالمدينة المنورة، ومكة المعظمة، وما رويناه في سنن أبي داود بسنده إلى الليث عن عمرة قالت: كانت امرأة مكية بطالة تضحك النساء، وكانت بالمدينة امرأة مثلها، فقدمت المكية المدينة فتعارفتا فدخلتا على عائشة، فتعجبت من اتفاقهما فقالت عائشة للمكية: عرفت هذه؟ قالت: لا ولكنا التقينا فتعارفنا، فضحكت عائشة وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف «١» .
وعن الزبير بن بكار في كتاب المزاح والفكاهة، من حديث ابن شهاب، عن عروة عن عائشة: أن امرأة كانت بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهن، فلما هاجرن ووسع الله دخلت المدينة قالت عائشة: فدخلت عليّ فقلت: فلانة ما أقدمك؟ قالت: اليكن. قلت:
فأين نزلت؟ قالت: على فلانة امرأة كانت تضحك بالمدينة، قالت: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فلانة المضحة عندكم قالت: عائشة نعم. قال: فعلى من نزلت؟ قالت: على فلانة المضحكة قال الحمد الله: إن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. انظر المقاصد الحسنة للحافظ السخاوي، وعروس الأفراح في معنى حديث:
الأرواح للمحدث الشمس محمد بن عقيلة المكي.
قلت: مما يصح إدراج ذكره هنا جحى المعروف، فإنه يعدّ من التابعين، ونوادره مدونة، وهي نهاية في الحلاوة، وفي القاموس: جحى كهدى لقب أبي الغصين بن ثابت، ونقل الشمس محمد بن الطيب الشركي في حواشيه على القاموس، ثم الحافظ مرتضى الزبيدي في تاج العروس، ثم الشيخ عبد الهادي الأبياري في نيل الأماني ثلاثتهم، عن المنهج المطهر للقلب والفؤاد للعارف الشعراني ما نصه: عبد الله جحى كما رأيته بخط الجلال السيوطي قال؛ وكانت أمه خادمة لأم أنس بن مالك، قال: وكان الغالب عليه السماحة وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يسأل الله أن ينفعه ببركاته. قال الجلال: وغالب ما يذكر عنه من الحكايات المضحكة لا أصل له، قال في تاج العروس، عن شيخه الشرقي: وذكره غير واحد، ونسبوا له كرامات جمة وعلوما كثيرة اهـ انظر ص ٦٨ من المجلد العاشر من التاج و ٨٩ من نيل الأماني على مقدمة القسطلاني.
وقال العلامة السيد محمد كبريت المدني (في رحلته) : رأيت في بعض المجاميع عن جحا أنه كان فاضلا ماجنا، وقد عمل الناس على لسانه كثيرا من النكت والنوادر.
ولابن أبي اليمن الغفاري مؤلف في ذلك، يشتمل على ألف ورقة. وفي كتاب نزهة الجليس أن الخواجة ناصر الدين الفزاري المكني بأبي القص، صاحب التفسير، المتوفي
(١) الحديث المذكور رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ٢ ج ٤ ص ٠٤- ومسلم وغيره.