قلت: وبذلك تعلم ما حكاه الزركشي في التلقيح؛ من الإجماع على عدم جواز الاشتغال بكتابة التوراة والإنجيل ونظرها، قال: وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي، ولولا أنه معصية ما غضب منه اهـ.
ونقل نحوه الشيخ زكرياء الأنصاري في شرحه على البخاري؛ عن الشمس البرماوي بلفظه: ولله در الحافظ ابن حجر فإنه اعترضه قائلا: الذي يظهر أن كراهية ذلك للتنزيه لا للتحريم، والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك، بخلاف الراسخ؛ فيجوز له ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف، وقد فعل ذلك جمع من الأمة. ثم قال: وأما استدلاله للتحريم بما ورد من الغضب ودعوى أنه لو لم يكن معصية ما غضب فهو معترض بأنه يغضب من فعل المكروه، ومن فعل ما هو خلاف الأولى، إذا صدر ممن لا يليق به ذلك، كغضبه من تطويل معاذ صلاة الصبح بالقراءة، وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم الأمر الواضح، مثل الذي سأل عن لقطة الإبل اهـ.
قال الشيخ زكرياء إثره: وهو أوجه اهـ بواسطة الفجر الساطع انظر آخر كتاب التوحيد، ونقل كلام الحافظ هذا أيضا الشهاب ابن حجر الهيثمي في فتاويه الفقهية ص ٤٩ ج ١ قائلا: وما ذكره واضح لا محيد عنه، وكل ما ذكره الزركشي وغيره محمول على غير متمكن، أو متمكن لم يقصد بالنظر فيها مصلحة دينية، أو متمكن قصد ذلك فلا وجه لمنعه، ويأتي ما ذكر في التوراة والإنجيل اهـ.
ومما يتفرع عن حكم قراءة الكتب القديمة النقل منها، وفي تكملة الديباج في ترجمة أبي العباس أحمد بن بقي، ومسألة النقل من التوراة والإنجيل هي إحدى المسائل الواقعة بين البرهان البقاعي والحافظ السخاوي، وألف كل منهما ردا على الآخر؛ البقاعي يجوزه والسخاوي يمنعه اهـ.
قلت: سمي السخاوي كتابه الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل انظره وفي ترجمة الإمام شرف الدين يحيى المناوي من طبقات حفيده [عبد الرؤوف المناوي] لدى ذكره نثره، ومنه ما كتبه في تقريظ على مناسبات القرآن للبقاعي، لما اعترضه جماعة من أهل عصره منهم السخاوي في نقله عن التوراة والإنجيل، وأفتى بعضهم بحرمة ذلك ووجوب غسل المناسبات لما تضمنته من ذلك، فكتب الشرف على الكتاب وكان أول من كتب بحسن صنيع البقاعي، ثم قال: ولا يقال قد استوضح في بعض المناسبات بما جاء في التوراة والإنجيل؛ لأنه اقتدى في ذلك بأئمة الإسلام أهل الأصول والتأصيل، كعبد الله بن عمرو في صفة سيد الأنام، وبعده الأئمة الأعلام، فتعين القول بالجواز على من اتّضح ذلك لديه، والمنع على من اشتبه ذلك عليه اهـ من الطبقات.