كون أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد اتفقت الصحابة على إطلاقه، وذلك لما اقتضته الأدلة من الاستخلاف، وهي كثيرة جدا مبسوطة في الكتب المطولّة، متواطئة على معنى واحد، غير أنه ليس فيها نص صريح؛ لأنه لو كان لما وقع التردد منهم أولا في يوم السقيفة، وأما تسمية بقية الخلفاء بأمراء المؤمنين فبإطلاق الصحابة اهـ.
وقال الحافظ ابن حزم في «نقط العروس» : من ولي الخلافة بعهد اختلف الناس في أبي بكر. والذي أدين الله به: أنه ولي الخلافة بعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ونص عليه لإجماع أهل الإسلام على تسميته خليفة رسول الله، ولم يسمّ أحد بهذا الإسم أحدا غيره، ولا ممن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة، ولا ممن استخلفه على الصلوات في غزواته وحجته، وللخبر الثابت «١» الذي رويناه من طرق ثابتة في قصة المرأة التي قالت: يا رسول الله، فإن رجعت ولم أجدك كأنها تريد الموت قال:«فأبو بكر» ، هكذا نص الحديث كما أوردناه، ولغير هذا مما ذكرناه في كتاب «الفيصل» ولله الحمد اهـ وقال ابن جزيّ في «القوانين» : الدليل على إثبات إمامة الخلفاء الأربعة من ثلاثة أوجه: أحدها أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال، والآخر أن كل واحد منهم أجمع المسلمون على بيعته والدخول تحت طاعته والإجماع حجة، والثالث ما سبق لكل واحد منهم من الصحبة، والهجرة والمناقب الجليلة، وثناء الله عليهم وشهادة الصادق لهم بالجنة، ثم إن أبا بكر وعمر أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلافتهما وأمر بالإقتداء بهما، وقدم أبا بكر على حجة الوداع وعلى الصلاة بالناس في مرض موته، وذلك دليل على إمامته ثم استخلف أبو بكر عمر، ثم جعل عمر الأمر شورى بين ستة نفر، فاتفقوا على تقديم عثمان. إلى أن قتل مظلوما، ثم كان أحقّ الناس بها بعده علي لمرتبته الشريفة وفضائله المنيفة.
وأول من سمّي بأمير المؤمنين من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب اتفاقا، وذلك أن أبا بكر لما بويع كانوا يسمونه خليفة رسول الله، فلما بويع عمر كانوا يدعونه خليفة خليفة رسول الله فاستثقلوا ذلك، وكرهوا تزايده داعيا إلى أن يؤدي إلى الاستهجان، ويذهب التمييز المقصود به لكثرتها وطول إضافتها، فاتفق أن دعا بعض الصحابة عمر بن الخطاب بأمير المؤمنين فيما كتبه إليه أبو موسى الأشعري، وفيما خاطبه مشافهة عدي بن حاتم الطائي أو المغيرة بن شعبة أو عمرو بن العاص أو غيرهم، فاستحسنه الناس واستصوبوه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق هذا الاسم قبله على عبد الله بن جحش حين بعثه في سرية.
وقال الحافظ السيوطي كما في «المصباح الوهاج» ، حين ذكر أن أبا بكر بعد موته عليه السلام بعث أسامة على جيش للشام، فكان الصحابة في ذلك السفر يدعونه أمير
(١) رواه البخاري في كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب ٥ ص ١٩١/ ٤ ونصه: إن لم تجديني فأتي أبا بكر.