بذلك لما رأى من ضعف أمر الخلفاء العباسيين ببغداد، إذ لقب نفسه أمير المؤمنين، وأورث من عقبه هذا اللقب، واستهل خطيبه بجامع قرطبة خطبة الجمعة بذلك سنة ٣١٦، وأنفذ منشوره بذلك لعماله جاء فيه: وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو لهذا الاسم منتحل له ودخيل ومتسم بما لا يستحقه، وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه واسم ثابت أسقطناه، فمر الخطيب لموضعك أن يقول به، وأجر مخاطبتك لنا عليه اهـ.
ولما قام عبيد الله المهدي أول ملوك العبيدين بأفريقية تسمّى بأمير المؤمنين لأنه كان رأى أنه أحق بالخلافة من بني العباس المعاصرين له بالمشرق، قال صاحب تاريخ دول الإسلام: فهو أول من زاحم الخليفة بهذا اللقب اهـ ثم تبعه على ذلك عبد الرحمن الناصر الأموي صاحب الأندلس، ورأى أن له الحق في الخلافة، اقتداء بسلفه الذين كانوا خلفاء بالمشرق، ثم لم يتجاسر أحد لا من ملوك العجم بالمشرق، ولا من ملوك البربر بالمغرب على التلقب بأمير المؤمنين، لأنه لقب الخليفة الأعظم القرشي، إلى أن جاءت دولة المرابطين وكان منهم يوسف بن تاشفين واستولى على المغربين، والأندلس وعظم سلطانه واتسعت مملكته، وخاطب الخليفة العباسي بالمشرق، فولاه على ما بيده وتسمى بأمير المسلمين، أدبا مع الخليفة، وقيل: أول من دعاه بها المعتمد بن عباد صاحب ملك الأندلس، فاستحسن ذلك منه. ثم لقبّه بها صاحب بغداد، ثم جرت على من بعده.
ولما تكلم ابن أبي زرع على وقعة الزلاقة وكانت سنة ٤٧٩ وما أوتيه فيه من النصر قال:
وفي اليوم نفسه سمّي يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، ولم يكن يدعى بها قبل ذلك اهـ.
قلت: مثل ما لابن أبي زرع لغير واحد. نعم في كتاب أخبار الدول وآثار الأول للقرماني أن عبد الله بن ياسين ممهد دولة الموحدين، سمّى أبا بكر بن عمر رأس قبيلة اللمتون لما بايعه بأمير المسلمين، ولا شك أن بيعته كانت قبل وقعة الزلاقة بكثير فيحتمل أن يكون الملقب أولا ابن عمر، ثم اشتهر على يوسف المبايع بعده لما لقبه به رسميا في الأندلس المعتمد بن عباد في وقعة الزلاقة، ثم أقره عليه الخليفة العباسي والله أعلم، وصار اللقب بأمير المسلمين شعار المرابطين ففي مكتبتنا طرف من الموطأ انتسخت في الرق لعلي بن يوسف بن تاشفين سنة ٥٣٠ على أول بعض أجزائها: مما كتب لخزانة أمير المؤمنين وناصر الدين علي بن يوسف بن تاشفين أدام الله تأييده ونصره يحيى بن محمد بن عباد اللخمي اهـ من خطه.
وفي مكتبتنا في قسم السكك دراهم ليوسف بن تاشفين، رسم عليها وصفه بأمير المؤمنين. وهو يؤيد ما في كتاب أخبار الدول وآثار الأول. لأحمد بن يوسف القرماني الدمشقي في ترجمة يوسف بن تاشفين أنه تلقب بأمير المؤمنين اهـ انظر ص ٢٥٤ طبع بغداد.