للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال الحافظ: وفيه أن الحاجب إذا علم منع الآذن بسكوت المحجوب لم يأذن، وفيه مشروعية الإستيذان على الإنسان وإن كان وحده لإحتمال أن يكون على حالة يكره الإطلاع عليها، وفيه جواز تكرار الإستيذان لمن لم يؤذن له إذا رجا حصول الإذن، وأن لا يتجاوز به ثلاث مرات كما سيأتي إيضاحه في كتاب الإستيذان في قصة أبي موسى مع عمر، ولا إستدراك على عمر في هذه القصة؛ لأن الذي وقع من الإذن له في المرة الثالثة وقع إتفاقا ولو لم يؤذن له فالذي يظهر أنه كان يعود إلى الإستيذان لأنه صرح كما سيأتي أنه لم يبلغه ذلك الحكم اهـ من الفتح.

وفي كتاب الأحكام من الفتح أيضا على قول البخاري باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب قال المهلب: لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بواب راتب، يعني: فلا يرد ما مضى في المناقب من حديث أبي موسى أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف، قال: فالجمع بينهما أنه إذا لم يكن في شغل من أهله، ولا إنفراد لشيء من أمره، أنه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس، ويبرز لطالب الحاجة إليه. وقال الطبري: دل حديث عمر حين إستأذن له الأسود أنه عليه السلام كان في وقت خلوته يتخذ بوابا، ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه اهـ انظر بقيته فيه.

تنبيه: لما قسم القرافي البدع إلى أقسام خمسة، وذكر القسم الثالث وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته قال: كإقامة صور للأيمة والقضاة وولاة الأمور؛ على خلاف ما كان عليه الصحابة، بسبب أن المقاصد الشرعية والمصالح لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس، وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين، ومن سابق الهجرة حتى اختل النظام، وذهب ذلك القرن، وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور، فتعين تفخيم الصور كي تحصل المصالح، وكان عمر يأكل خبز الشعير والملح، ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم، لعلمه أن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس، وتجاسروا عليه بالمخالفة، فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى تحفظ النظام، ولذلك لما قدم الشام وجد معاوية قد اتخذ حاجبا واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية، وسلك ما سلكه الملوك، سأله عن ذلك فقال له: إنا في أرض ونحن فيها محتاجون لهذا، فقال: لا آمرك ولا أنهاك «١» . ومعناه: أنت اعلم بحالك هل محتاج إلى هذا فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فلا يكون حسنا. فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأيمة وولاة الأمر تختلف باختلاف الأمصار، والأعصار والقرون والأحوال، فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما، وربما وجبت في بعض الأحوال اهـ ونقله المنجور [كذا] في المنهج وأقره وزاد أن الأيمة في كلامه شمل الإمامة الكبرى والصغرى وهو حسن جدا.


(١) رحم الله عمر لو كان نهاه لكان منسجما مع قولته المعروفة: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. مصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>