ادعى للممدوح أنه خلق من العنبر الورد, والعباد خلقوا من صلصال مسنونٍ, وهو كريه الرائحة. وزعم أن بقايا طيبه لاقت الماء فصارت عذوبةً فيه. والطيب ليس للعذوبة, وكان تشبيهه بغير ذلك أحسن في هذا الموضع؛ فلو قال: بقايا طيبه وافى زهر الربيع أو نحو ذلك؛ لكان أشبه من عذوبة الماء.
وقوله:
وبقايا وقاره عافت النا ... س فصارت ركانةً في الجبال
زعم أن بقايا وقار الممدوح عافت الناس؛ من قولهم: عفت الشيء إذا كرهته, وأكثر ما يستعمل ذلك في الطعام والشراب. قال الشاعر:[الوافر]
نزعت ثيابكم والقر مودٍ ... ومالي غير ما جلدي قميص
وعفتكم وفي بطني خماص ... وشر الزاد ما عاف الخميص
والركانة: مصدر قولهم: رجل ركين إذا كان حليمًا ثابتًا.
وقوله:
لست ممن يغره حبكم السلـ ... ـم وأن لا ترى شهود القتال
ذاك شيء كفاكه عيش شانيـ ... ـك ذليلًا وقلة الأشكال
يقول: لست أنا ممن يغره حبك السلم وأن لا ترى أن تشهد القتال؛ فيقول: ليس هو بشجاع؛ وإنما تركت شهود القتال (١٧٠/أ) لأنك لا تحتاج إليه, وقد فسر البيت بالذي بعده فقال: ذاك - أمر يعني تركه شهودالقتال - كفاكه ذل شانيك؛ أي مبغضك. وأصل شانيك الهمز. وأغناك عن ذلك أيضًا قلة أشكالك ونظرائك, وإنما يحارب الإنسان من يدانيه في العز والشجاعة.