للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

وتكملة العيش الصبى وعقيبه ... وغائب لون العارضين وقادمه

جعل العيش أربعة أقسام: الصبى وما يعقبه من الزمان الذي هو قريب منه. وغائب لون العارضين يجوز أن يعني سوادهما مرةً وبياضهما أخرى, وكذلك القادم من لونهما يحتمل وجهين: أن الغائب والقادم كلاهما غاب, وكلاهما قدم؛ ألا ترى أن لون الشعر الذي ينبت في وجه الأمرد يكون غائبًا عنه دهرًا ثم يقدم بعد ذلك. والبياض جار مجرى السواد لأن المشيب يقدم بعد غيبةٍ.

وقوله:

وما خضب الناس البياض لأنه ... قبيح ولكن أحسن الشعر فاحمه

ذكر في هذا البيت أن الشيب لم يخضب لأنه قبيح, ولكن سواد الشعر أحسن. والشيب الذي أوجب الخضاب أن الإنسان إذا شاب علم أنه طاعن في السن فزهد فيه, لأن الشيب يطمع الشاب في الشيخ. وجاء في بعض الحديث: «عليكم بالخضاب فإنه زينة لنسائكم وهيبة لعدوكم»؛ أي يظنون أنكم شباب. والخضاب قديم.

وسئل بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان يخضب؟ فقال: لم يكن به من الشيب ما يخضب. وروي أن عليًا عليه السلام خضب مرة ثم لم يعد إلى ذلك. وفي حديث يحكى عن عبيد الله بن الحر الجعفي أنه دخل على الحسين عليه السلام فرأى لحيته كأنها جناح غرابٍ فقال: أشباب ما أرى يا ابن بنت رسول الله, فقال: يابن الحر عجل علي الشيب. قال ابن الحر: فعلمت أنه خضاب. ويقال إن عبد المطلب بن هاشم نزل ببعض الملوك وهو أشيب فأمر الملك بخضابه, فقال عبد المطلب بن هاشم: [الكامل]

لو دام لي هذا الشباب رضيته ... وكان بديلًا من شبابٍ قد انصرم

أنست إليه والحياة حبيبة ... فلابد من موتٍ, نتيلة, أو هرم

<<  <   >  >>