للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

أعيذها نظراتٍ منك صادقةً ... أن تحسب اشحم فيمن شحمه ورم

الأجود أني كون في «تحسب» ضمير عائد على النظرات, ولا يمتنع أن يكون المضمر هو الممدوح؛ كأنه قال: أعيذ نظراتك من أن تحسب - أيها الملك - الورم شحمًا. وهذا لفظ يجوز أن يكون لم يسبق إليه الشاعر, والمعنى حسن, وليس على قدر معناه. والشحم والورم متضادان؛ لأن الشحم يحدث عن الصحة, والورم يحدث عن المرض, فيقال: ورم أنف الرجل إذا أنف الشيء وكرهه, كأنما حدث لأنفه ورم.

وقوله:

ومن انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم

هذا البيت ممض لمن قيل فيه لأنه يقول له: لك ناظران لا تبصر بهما؛ فجعله وهو بصير كبعض العميان.

وقوله:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم

حمل «الذي» على المعنى ولم يحملها على اللفظ؛ لأن «الذي» يطلب راجعًا إليها, وما رجع إليها الضمير. ولو كان الكلام منثورًا لكان وجه الكلام أن يقول: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبه وأسمعت كلماته من به صمم, وقد جاء في الشعر مثل هذا كثيرًا. قال الراجز: [الرجز]

أنا الذي فررت يوم الحره ... والحر لا يفر إلا مره

وإنما وجه الكلام أن يقول: أنا الذي فر يوم الحرة, و «الذي» لم يعد إليها ضمير.

وقال آخر: [الرجز]

يا مر يا بن واقعٍ يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جعتا

<<  <   >  >>