للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: سقاها الغمام الغر قبل نزول سيف الدولة عليها, فلما نزل بها سقاها دم القتل. وكنى بالجماجم عن المقتولين لأجل القافية. والغمام يحتمل أن ينعت بالغر وبالأغر؛ لأنه إن كان جمعًا فقد استعمل كاستعمال الآحاد, وقد مر ذكره.

وقوله:

وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم

ادعى أن الحدث كان بها مثل الجنون, ويجوز أن يكون أهلها. فأما الحدث فمعلوم أنها لا تحس بخير ولا شر. والجثث: جمع جثةٍ, وأصل ذلك ما رئي من جسم الإنسان. وقيل: اجتث الشيء إذا أخذ كله فلم يبق منه شيء. والمعنى أنه استؤصلت جثته. والجث: شيء مرتفع من الأرض وليس بالعظيم. قال الشاعر: [الطويل]

وأوفى على جث ولليل طرة ... على الأرض لم يكفف جوانبها الفجر

وجعل جثث القتلى كالتمائم, لأنها أذهبت ما بالحدث من الجنون. والتمائم تعلق على من تخاف عليه عين, أو يظن أن به سفعةً من الجنون.

وقوله:

طريدة دهرٍ ساقها فرددتها ... على الدين بالخطي والدهر راغم

جعل الحدث طريدةً للدهر طردها على الإسلام فردها الممدوح بالطعن إلى الدين, والدهر راغم. وهذه دعوى على الدهر, ولم يلحقه رغم قط, ولا أحس بما العالم فيه. وأصل الرغم: أن يلتصق الأنف بالرغام؛ أي التراب الدقيق. قال الأعشى: [الطويل]

فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفك راغم

وقوله:

تفيت الليالي كل شيءٍ أخذنه ... وهن لما يأخذن منك غوارم

<<  <   >  >>