وقوله:
كأني دحوت الأرض من خبرتي بها ... كأني بنى الأسكندر السد من عزمي
دحوت الأرض أي بسطتها, ومنه: أدحي النعام؛ لأنها تدحو المكان بأرجلها أي توسعه وتبسطه, ومنه بنو دحي من الأنصار.
و: كأني بنى الأسكندر السد من عزمي: هو نقيض النصف الأول, وذلك مستحسن في صناعة النظم لأنه زعم أنه كالذي دحا الأرض من خبرته بها. والدحو: البسط وخفض المرتفع, وهو ضد البناء الذي ذكره في النصف الثاني. وادعى أن الأسكندر كأنه بنى السد من عزمه لشدته.
والأسكندر: اسم أعجمي, ولم يأت على وزنه في كلام العرب إلا أنه وافق في الزنة قولهم: احرنجم وبابه, إلا أنهمزة الأسكندر مفتوحة وهمزة احرنجم مكسورة. ولو كسر كاسر همة الأسكندر لكان ذلكمستمرًا؛ لأنهم إذا أخرجوا الكلمة من كلام العجم إلى اللفظ العربي اجتهدوا في أن تكون موافقةً للعربية في الوزن. مثال ذلك أنهم يقولون لاسم الموضع: زبطرة فيفتحون الزاي إذا تركوا الكلمة على الأصل, فإذا أرادوا أن يشبهوها بالعربية كسروا الزاي لتصير في وزن: سبطرةٍ وهي الطويلة, وليس في كلام العرب مثل: دمقسٍ بفتح الدال, وكل ما جاء في كلامهم على هذا الوزن فهو مكسور الأول.
ويجوز أن يقال: كأني وكأنني, والأصل إثبات النون, وكذلك في إنني؛ وإنما تحذف لاجتماع النونات. ولو أن الكلام منثور لكان مجيئه بالواو في قوله: كأني بنى الأسكندر أحسن لأنه جاء بجملة بعد جملة, ولم يعطف أحدهما على الأخرى, فكأنه قال: أخوك حاضر أبوك غائب, فجاء بجملتين ليس بينهما حرف عطف, ومجيئه بالواو أحسن.
وقوله:
لألقى ابن إسحق الذي دق فهمه ... فأبدع حتى جل عن دقة الفهم
إسحاق: كلمة أعجمية لم تنصرف للتعريف والعجمة, وقد وافقت من العربية مصدر قولهم: أسحقه الله إسحاقًا. ولو سمي رجل بإسحاق والمراد المصدر لوجب أن يصرف. كما أنه لو سمي بيعقوب, والمراد ذكر الحجل لوجب أن يصرف؛ لأن اليعقوب