كلام جرى مجرى المثل. والأمثال يجوز فيها ما لا يجوز في الشعر. قال بشر بن أبي خازم: [الوافر]
فبات يقول أصبح ليل حتى ... تجلى عن صريمته الظلام
ومما جاء في الشعر كالضرورة قول العجاج: [الرجز]
جاري لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري
وإذا رويت حوباء بالكسر فلا ضرورة في البيت, لأن المعنى: يا حوباء كما تقول: يا غلام, فالمعنى معنى الإضافة.
ومعنى البيت أنه يأمر نفسه بورود حياض الردى وتركه الحياض المورودة, ويحتمل أن يعني بالندى: الأعطية, وأضاف إليها الماء لأنه محسوب من العطاء.
ومن روى: واتركي حياض خوف الردى؛ فإنه يريد: لا ينبغي للإنس الذين يأنفون من الدنيات أن يتخوفوا ورد الحمام وإنما يحلوه الشاء والنعم. ويحتمل أن يكون أراد الناس الذين يشبهون الأنعام في الذلة, وهو أشبه من أن يريد الشاء والنعم المعروف.
والشاء: الأغلب عليه أن يكون من ذوات الهاء لأنهم قالوا في الجمع: شياه, وفي الواحدة: شويهة. وقد ذهب قوم إلى أن الهمزة أصلية, وأنهم قالوا: شوي فلزموا تخفيف الهمز. وذهب قوم إلى أن الهمزة في شاءٍ منقلبة من ياءٍ كأنها مأخوذة من: شويت اللحم؛ فيكون الأصل على هذا: شوي؛ فقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها, ثم جعلت الياء همزة لأنها طرف وقبلها ألف, كما قالوا: سقاء وأصله: سقاي, وهذا قول يضعف لأن العين واللام لا تعتلان ولاسيما إذا كانتا متواليتين.
وقوله:
أيملك الملك والأسياف ظامئة ... والطير جائعة لحم على وضم
لحم يرتفع بقوله: أيملك, وإنما يعني به ملوك عصره؛ أي إنهم ليس فيهم ما يدفع عن