يقول: بهرت صفات هذا الممدوح فأنطق الواصفين فوصفوه حتى فحموا؛ أي انقطع كلامهم. يقال: بكى الصبي حتى فحم؛ أي: عجز عن البكاء. وقالوا: أفحم الشاعر إذا تعذر عليه قول الشعر. ويجب أن يكون هذا اللفظ أخذ من الفحم المعروف؛ لأنهم يريدون أن الخاطر إذا كان كالنار الموقدة فانقطع إلى أن صار كالفحم. قال الهذلي:[الطويل]
أصخر بن عبدالله إن كنت شاعرًا ... فإنك لا تهدي القوافي لمفحم
وقوله:
يا أيها الملك المصفى جوهرًا ... من ذات ذي الملكوت أسمى من سما
جعل الممدوح خالصًا من جوهر من عز عن الجواهر والأعراض, وخلقها بالإرادة؛ فهذه مجاوزة إلى غير الفعل المحمود؛ فالقائل لها مذموم؛ وإن رضي الممدوح بذلك, فقد أقدم على أمرٍ يستعظم.
والملكوت: فعلوت من الملك, والتاء في ذات أصلها هاء ولكنها استعملت مضافةً؛ وهذه الهاء إذا اتصلت بالمضاف منعها ذلك من الوقف؛ لأن الناطق جرت عادته أن يصل المضاف بالمضاف إليه فشبهها المتكلمون بالتاء الأصلية؛ فقالوا: الصفات الذاتية. والنحويون يرون أن الصواب في النسب إلى الذات: ذووية, ولا يمتنع أن تشبه هذه التاء بالتاء الأصلية, كما قالوا: تمسكن المسكين؛ قأثبتوا الميم في الفعل الماضي كما يثبتون الميم الأصلية لكثرة ما لزمت الميم المسكين.
وقوله:
نور تظاهر فيك لاهوتيةً ... فتكاد تعلم علم ما لن تعلما
نصب لاهوتيةً على التمييز, ولا يمتنع أن يكون نصبها على الحال, وإن كان النور مذكرًا؛ لأنه يمكن أن تقول: قد تصور فلان رحمةً. ويجوز أن تنصب لاهوتيةً لأنها مفعولة له أي من أجله. وبعض الناس يروي: لاهوتيه بالإضافة إلى الهاء الراجعة على النور.
والناس يقولون: اللاهوت فيزيدون التاء, كما يقولون: الناسوت إذا أرادوا به الإنسان أو