للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: أقمت بمصر لا أتوجه إلى أمامي ولا أرجع إلى ما خلفي, فهذا بيت لا كذب فيه, ثم قال:

فملني الفراش وكان جنبي ... يمل لقاءه في كل عام

هذا دعوى لا تصح لأحدٍ من الناس, واستعار الملل للفراش لأن اضطجاعه كثر عليه فكان كأنه قد مله. ويقال: إن الإنسان لا يقيم ثلاثة أيام بغير شيء من النوم, وإن كان قليلًا نزراً, وادعاء الشعراء كلها داخلة في قوله تعالى: {وأنهم يقولون ما لا يفعلون}.

وقوله:

وزائرتي كأن بها حياءً ... فليس تزور إلا في الظلام

يقول: بزائرتي -[أي] حماه الطارقة (٢١٦/أ) له بالليل - يقول: كأن بها حياءً فهي تخاف أن تزور بالنهار.

وقوله:

بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت في عظامي

المطارف: جمع مطرفٍ ومطرفٍ وهو الذي في طرفيه علمان. والحشايا: جمع حشيةٍ وهو ما حشي مما يتفرش. وجعل عنترة السرج حشيةً على معنى التشبيه؛ أي إني لا فراش لي إلا سرج فرسي, فقال: [الكامل]

وحشيتي سرج على عبل الشوى ... نهدٍ تعاوره الكماة مكلم

يقول: بذلت لهذه الزائرة المطارف والحشايا لتحل بها دون جسمي فعافتها. والعيافة إنما تستعمل في الطعام والشراب. قال عمر بن أبي ربيعة: [الطويل]

فسافت وما عافت وما صد شربها ... عن الري مطروق من الماء أكدر

وادعى أنه بذل لها أشياء كأنها مخاطبة لمن يعقل وهذه من الدعوى المستحيلة. يقول: إنها اختارت المبيت في عظامي على المبيت في أشياء مرتفعة مما يفترش أو يلتحف.

<<  <   >  >>