للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشجاعة أغناه عنها ذكرها ... ونهى الجبان حديثها أن يجبنا

يقول: قد صار الناس يهابون هذا الممدوح حتى قد غني عن الشجاعة لأنه لا يطمع في قتاله, وإذا سمع الجبان حديث شجاعته نهاه ذلك عن الجبن. وحكي: جبن الرجل وجبن, ولم يعرف جابن. وإن صح قولهم: جبن وجب أن يجيء اسم الفاعل على هذا النحو, كما قالوا: ضارب وداخل.

وقوله:

نيطت حمائله بعاتق محربٍ ... ما كر قط وهل يكر وما انثنى

الحمائل: ما يقع على عاتق الرجل من نجاد السيف, سميت بذلك لأن متقلد السيف يحملها. ويجوز أن تكون سميت حمائل لأنها تحمل السيف, أو لأن السيف يحملها. قال الشاعر: [الطويل]

غالم إذا أبصرت عاتق ثوبه ... رأيت عليه شاهدًا للحمائل

والمحرب: مفعل من الحرب. وقوله: ما كر قط: نفى عنه ذلك لأن الكر إنما يكون بعد الانصراف. يقول: إذا لقي الأعداء لم ينثن عنهم حتى يأتي عليهم بقتلٍ أو هزيمة.

وقوله:

فكأنه والطعن من قدامه ... متخوف من خلفه أن يطعنا

هذا المعنى قد سبق إليه الطائي في قوله: [البسيط]

كأن لدن القنى (الفتى) يقفوك منهزمًا ... إذا تيممت أطراف القنا اللدن

وقوله:

نفت التوهم عنه حدة ذهنه ... فقضى على غيب الأمور تيقنا

يقول: هذا الرجل لا يتوهم كتوهم الناس؛ لأن التوهم إنما يكون في قلة الفطنة؛ ولو اقتصر على النصف الأول لجاز أن يكون ذلك؛ إذ كان التوهم قد يقع في شيءٍ شوهد وعلمت حقيقته ثم حدث الشك فيه. وجاء أبو الطيب في النصف الثاني بما لا يقدر عليه

<<  <   >  >>