كم مخلصٍ وعلاً في خوض مهلكةً ... وقتلةٍ قرنت بالذم في الجبن
يقول: كم خلاصٍ كان سببه خوض مهلكةٍ. إذا فتحت الميم فهي اسم لموضع الهلاك؛ فإذا ضمت الميم فهي الهلك بعينه. يقول: إن الإنسان إذا صبر على الشدائد جاز أن يصل إلى ما يؤثر وهو محمود, والجبان طال ما قتل وذم فجمع له جنسان من الشر: قتله وذمه.
وقوله:
لا يعجبن مضيماً حسن بزته ... وهل يروق دفيناً جودة الكفن (٢٣١/أ)
المضم الذي يقع به الضيم وهو الظلم والإذلال. يقول: لا يعجبن من هو ذليل حسن بزته - والبزة يراد بها ما يلبس من الثياب - فهو مثل الميت الذي دفن, والميت لا يروقه؛ أي لا يعجبه؛ حسن الكفن.
وقوله:
مدحت قوماً وإن عشنا نظمت لهم ... قصائداً من إناث الخيل والحصن
أظهر الندم على مدح رجالٍ, وزعم أنه إن عاش نظم لهم قصائد من الخيل؛ أي إنه يجمعها كما يجمع القصائد من الكلام. والحصن: جمع حصانٍ وهو الذكر من الخيل.
وقوله:
تحت العجاج قوافيها مضمرةً ... إذا تنوشدن لم يدخلن في أذن
لما شبه الخيل بالقصائد أتبع ذلك بما يشبهه من الكلام فجعل لها قوافي, والهاء والألف في قوافيها ترجع إلى القصائد. وزعم أنهن إذا تنوشدن لم يدخلن في أذنٍ؛ فكأنه ألغز تناشد الضالة عن تناشد الشعر. يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها, وأنشدتها إذا عرفتها. وقولهم: أنشدت الشعر مأخوذ من قولهم: أنشدت الضالة؛ لأن المنشد له يعزوه إلى قائلة, فكأنه الضالة يردها عليه. يقال: نشد الراعي الناقة نشيداً, وأنشد الرجل الشعر نشيدًا أيضًا.
قال الشاعر:[الوافر]
وأنا نعم أحلاس القوافي ... إذا استعر التنافر والنشيد