للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

قالوا هجرت إليه الغيث قلت لهم ... إلى غيوث يديه والشآبيب

معنى قوله: هجرت إليه الغيث؛ أي فارقت البلاد التي تمطر, وسرت إلى مصر, وهي غير ممطورةٍ, ولو أنه في غير المنظوم لكان وجه الكلام أن يقول: قالوا هجرت إليه الغيث فقلت لهم. وحذف مثل هذه الفاء كثير, وكذلك حذف الواو العاطفة, ومنه قوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع}. ولو أنه في غير كتاب الله سبحانه لجاز دخول الفاء على قلت لهم. وتولوا جواب إذا, وقال الراجز: (٢٥/أ)

لما رأيت نبطًا أنصارا ... شمرت عن ركبتي الإزارا

كنت لها من النصارى جارا

ولو كان في منثور حسن أن يقول: فكنت أو وكنت.

والشآبيب: جمع شؤيوبٍ, وهي سحابة دقيقة العرض, شديدة الوقع. ويجوز أن يكون اشتقاق الشوبوب من شببت النار, وتكون الهمزة زائدةً؛ لأنهم يريدون أنه حاد, وإذا وصفوا الشيء بالحدة والسرعة شبهوه بالنار.

ولا يمتنع أن يكون من شاب يشوب, كأنه شؤبوب, وهمزت الواو لجوارها الضمة, ويكون المعنى: أن أفقه مشوب بالصحو؛ لأنهم يصفوا الشؤبوب بدقة العرض, فوزنه في القول الأول فؤعول, وفي القول الثاني فعلول, ولو ادعي أنه مقلوب عن أشبت؛ أي: خلطت, لم يبعد ذلك كأنه أشبوب, ثم قبلوه, فقدموا الشين, واستعاروا الشؤبوب في الحرب وجريان الدم, وقال ابن هرمة: [المنسرح]

<<  <   >  >>