للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

إذا لم تنط بي ضيغةً أو ولايةً ... فجودك يكسوني وشغلك يسلب

قوله: تنط: من النوط, وهو التعليق ووصل الشيء بالشيء. يقول: إّا لم تصل بي ضيعةً تقطعني إياها فجودك يكسوني, وشغلك عني يسلبني تلك الكسوة.

واصطلح الناء على أن يسموا القرية ضيعةً. والكلام القديم يدل على أن الضيعة هي كثرة الخير, واتساع الرجل فيما يملك, وهو اسم مستطرف الوضع, لأن الضياع هلاك الشيء؛ فيجوز أن يكونوا أرادوا أن المال إذا كثر أتعب صاحبه وأهمه, فكأنه يضيعه؛ لأن كثيرًا من العرب يصفون أنفسهم بالقيام على المال, والتطرح في طلبه.

ويحتمل أن يكون قولهم: ضيعةً على معنى العكس؛ أي: أنها غير ضيعةٍ, ويكون ذلك من جنس قولهم للديغ: سليم, إلا أن ذلك فأل, وهذا فيه تهزؤ. ومثاله أن يقال للرجل إذا كان غنيًا: أنت فقير لا شيء لك, أي: لست كذلك, ومثل هذا يجري في الكلام كثيرًا, فإذا قال أحد المتخاصمين للآخر: يا حر, ويا كريم, فإنما يريد ضد ما قال.

ويجوز أن تكون الضيعة من قولهم: ضاع الطيب؛ إذا انتشرت رائحته, وانضاع الفرخ إذا تحرك واضطرب, فيراد أن أمرها ينتشر, ويحوج إلى الاضطراب, ويكون أصلها ضيعةً فخففت كما قالوا: ميت, وهو من يموت, وتكون الضيعة من ذوات الواو؛ لأنها من ضاع يضوع.

والولاية إذا كانت في القرابة من قولهم: فلان ولي فلانٍ بفتح الواو وكسرها, فإذا أريد بها ولاية الشيء فأصلها كأصل الأولى, إلا أنهم يؤثرون فيها الكسر.

وقوله:

أحن إلى أهلي وأهوى لقاءهم ... وأين من المشتاق عنقاء مغرب

<<  <   >  >>