أي: إني إذا لحظت بياض الشيب فكأني لحظت به بياضًا في سواد عيني, ولا يمكنه أن يلحظ سواد عينه إلا في المرآة, ولولا أنه بين سواد العين في هذا البيت لجاز أن يحمل على سواد القلب, فيكون نحوًا من قول الطائي: [الخفيف]
شاب رأسي وما عهدت مشيب الر ... أس إلا من فضل شيب الفؤاد
إلا أن الطائي جعل مشيب فؤاده متقدمًا شيب رأسه, وأبو الطيب جعل البياض في سواد عينه من أجل حزنه لبياض الشيب.
وقوله:
جزى الله المسير إليه خيرًا ... وإن ترك المطايا كالمزاد
أي: أنها قد هزلها السير فتركها كالمزاد التي نضب ماؤها, واشتد عليها الهجير, فتناهى يبسها. والمزاد: جمع مزادةٍ, وجمعها مزايد, ويجب ألا تهمز؛ لأن ألفها منقلبة عن حرفٍ أصلي, قال الشاعر: [الطويل]
مزايد خرقاء اليدين مسيفة ... أخب بهن الساقيان وأحفدا
والناس يقولون: حملوا الزاد والمزاد, يعنون بالزاد ما كان للأكل, وبالمزاد ما يوعون فيه الماء. فأما الزاد فقد ثبت أنه من ذوات الواو؛ لأنهم قالوا: تزودوا, وزودتهم, وذلك كثير في الشعر, قال قيس بن الخطيم: [الطويل]
تروح من الحسناء أم أنت مغتدٍ ... وكيف انطلاق عاشقٍ لم يزود
وأصل التزويد في الطعام, ولكن الشعراء نقلته إلى ما يفعله المحبوب من وصالٍ أو حسن وداع.