للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل قوله تعالى: {وعلمناه من لدنا علمًا} , وزعم بعض النحويين أن الفرق بين لدن وعند أن لدن تختص بمن تضاف إليه, فإذا قيل: جئتك من لدن محمدٍ فإنما يراد ما قرب منه, وإذا قيل: لدن فلانٍ مال فإنما يراد ما هو حاضر لديه, ولا يحسن عند صاحب هذا القول أن يقال: لدنه مال وهو بالشام, والمال بالعراق. ويحسن ذلك في عند, وليس هذا القول بشيء, ولا فرق بين معناهما في الحقيقة؛ إلا أن لدن كثرت فيها اللغات, وعند لزمت كسر العين وسكون النون, وقد حكيت عند وعند؛ وذلك قليل مهجور, وإذا قالوا: لدني فإنما شددوا النون ليسلم سكونها في قولك: لدن, كما أنهم قالوا: مني وعني, فجاؤوا بالتشديد كراهة أن يجيئوا بياء أن يكون مصنوعًا, وذلك قوله: [المديد أو الرمل]

أيها السائل عنه وعني ... لست من قيسٍ ولا قيس مني

وهذا البيت لا يثبت تخفيف النون فيه, إلا أن يكون ما بعده من الأبيات دالًا على ذلك, لأنها لو شددت والبيت فارد لكان الوزن قويمًا, إلا أنه في حال التخفيف (١٠٥/ب) يكون من ثالث الرمل, وفي التشديد يكون من أول المديد. وسيبويه يزعم أنهم إذا قالوا: لدن غدوةً فنصبوا الاسم بعدها فإنما شبهوه إذا ضمت الدال بقولك: هذا ضارب خالدًا, وإذا فتحت الدال شبه بقولهم: اضربن فلانًا, وقول الفراء في هذا أقرب؛ لأنه يذهب إلى أن (كان) بعد لدن مضمرة؛ كأنه قال: جئتك لدن كان الوقت غدوةً؛ لأن لدن يقع بعدها الفعل, كما قال القطامي: [الطويل]

صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حتى شاب الذوائب

<<  <   >  >>