للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالوصال, ومن ذلك قول القائلة, وهو يروى لهند بنت عتبة بن ربيعة, ولا مرأةٍ من إيادٍ لما تلاقوا هم والفرس:

نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق

المسك في المفارق ... والدر في المخانق

إن تقلبوا نعانق ... أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

وقوله: سقى الله أيام الصبا ما يسرها ... ويفعل فعل البابلي المعتق

البابلي: شراب منسوب إلى بابل, وهي كلمة ليست بالعربية, وليس في كلام العرب باءان بعدهما لام, وقد استعملت العرب بابل في أشعارٍ, قال: [الكامل]

هذا ورب مسوفين صبحتهم ... من خمر بابل لذةً للشارب

أراد بمسوفين قومًا عطاشًا, يقال لهم: سوف تسقمون وسوف تروون. وقد جرت عادة الشعراء أن يثنوا على ما سلف من الزمان, كما يثنون على من يعقل, وقد سلك أبو الطيب في هذا البيت مسلك غيره, فدعا لأيام الصبا أن تسقى ما يسرها, وليست مما يحس, نحو من هذا الفن ذمهم الزمان, وهو لا يعلم ولا يستطيع أن يفعل حسنًا ولا قبيحًا؛ وإنما يفعلون هذه الأشياء على معنى المجاز والاتساع في اللغة, كما قالوا: نام الليل؛ لأنه ينام فيه, ولا علم لليل بنومٍ, ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]

فإن تحدث الأيام بيني وبينها ... بذي الأثل صيفًا مثل صيفي ومربعي

أسد بأعناق النوى بعد هذه ... مرائر إن جاذبنها لم تقطع

إنما أراد أن يحدث في الأسام فجعل الإحداث منسوبًا إليها على السعة.

<<  <   >  >>